محمد عصام//
لعل الكوارث الطبيعية ترحم الناس أحيانا، لما تجعلهم يحسبون حسابهم، ويعدون العدة جيدا لتفادي الأضرار أو التقليص منها أحيانا، هذا يحصل بالبلدان الراقية، يتعظ رجالها ونساؤها، الساسة منهم خاصة، الموكل إليهم تدبيرا لشأن العام عبر أمانة الانتخاب، والانتخاب عندهم يكون نزيها شفافا يولد أجود الناس. لذا ترى أغلب الأمور عندهم مستقيمة، إدارة وتعليما وصحة وجماعات وعدلا وتجارة و صناعة وفلاحة… وما قد تراه ضعيف الجودة، تجد له أسبابا موضوعية لا صلة لها بالتدبير البشري الصرف.
” البحر الهادئ لا يصنع السباح الماهر” لعل عكس هذه المقولة صحيح تماما بالنسبة لحالهم، فبحورهم هائجة، تتردد عليهم العواصف والأعاصير بين الفينة والأخرى، حتى ألفوها وأنشؤوا لها مسميات، يخبرون الشعوب بقرب قدومها فتعرفها وتستعد لاستقبالها، بالاحتفالات التي تليق بقوتها وكرمها وسخائها. ولعل كثرة استعداداتهم وتواليها، خلفت آثارها على بلدانهم، فصاروا في أعلى عليين من حيث البنيات التحتية من طرق وقناطر وجودة بنايات… وأصبحت هذه البنية بالنسبة لهم الأمر المألوف، لا يستسيغ ضميرهم دونها حتى رؤية فبالأحرى إنشاء واستهلاكا. وصرنا للمقارنة نقدر الفارق تصريحا لا تلميحا، حقيقة لا نفاقا، بالقرون لا السنين. وصرنا نقر بذلك و نستسيغه دون خجل، وصرنا نضرب بهم المثل دون حياء، وكأنهم بشر من طينة، وكأننا بشر من طينة لا تشبه طينتهم. وغاب عنا بفعل ما تعرضنا له من تدجين هجين، أننا نحن مصدر نبل القيم، والتي تلقيناها وهجرناها، وسمعوا بها ودرسوها وعملوا بها ونسبوها إنتاجا إنسانيا لا إسلاميا، تنكرا لجميل هذه الحضارة وتعصبا لرومانيتهم ويونانيتهم وآراميتهم.
سادتي، حز في نفسي كما يحز في نفس كل مواطن غيور على وطنه، باك على حال هويته الإسلامية اليوم. فقلما تستقيم الأمور في بلد إسلامي ويا للعجاب! المغرب بلدي الحبيب مجرد أمطار موسمية عادية ترحم سنة وتغضب سنة أو سنوات، وعند كل قدومها وفي موعده، تهدم البنيات التحتية المقامة على المقاس الزمني، لرجل الجماعة أو رجل العمالة ورجل الولاية ورجل الجهة ورجال المجالس على كثرتهم و تنوعهم دون فائدة أو طائل، والمقاولون المتهافتون على الربح السريع، المدفوعون إلى الانتهازية من قبل منتخبي ورجال الإدارات، الذين يبتزونهم قبل أن يحظوا بشرف انجاز مشروع هنا ومشروع هناك.. وكأن بهؤلاء لا يريدون بنايات تتم لمرة واحدة و تنتهي وتدوم لمئات السنين، إذ على هذا الطراز، بمجرد ولاية أو ولايات معدودة وتفتقد المشاريع، ولا يجدون سبيلا لنهب المال العام ولا حيلة.
والغريب في النموذج المغربي في المهزلة، أنك لا تكاد تجد مدينة أو مركزا حضريا أو قرويا مستثنى من فضيحة الفضح على يد الأمطار. فهي بذلك مفتش عادل لا ينفع معه الارتشاء، ولو رأوا في رشاها نفعا لبادروا ولما تأخروا اللحظة الواحدة، فالرشوة تجري منهم مجرى الدم، هي وإبليس في سباق بأجسادهم مع الزمن، لحصد الكم الأكبر من الذنوب والآثام. والغرابة تبعا لذلك في النموذج المغربي، أن كل الأحزاب إلا ما نذر خاصة منها التقليدية، إن لم تظفر بتسيير جماعات، تظفر بتسيير جماعة أو اثنان، فهل مصيبتنا عامة إذن، لا استثناء لها ؟ وألا تسري بدمنا روح المنافسة نحو الأحسن ؟ أم أن التاريخ، النحس منه خاصة، علمنا الاهتمام بالذات، ولو على حساب مصلحة كل الوطن؟ يخير الرجل منا بين قتله وقتل كافة الشعب، فيبادر دون تردد، أنا وبعدي الطوفان ! انه دون شك انفصام حاصل لنا في الهوية لا في الشخصية، فعندما لا يغار المرء على بلده وعرضه و دينه، فأي خير يرجى منه؟
سادتي، إنها لحظة للمراجعة، فالأموال التي تكدس من الحرام، لا تولد إلا الشر والضر بالبيوت والأسر، والوطن أسرتنا الكبيرة من تعافي الأسر يتعافى، ومن مرضها يتأثر. فاتقوا الله في البشر، فقد حملوكم أمانة، يوما اعتذر من حملها الجبل، وضيعتموها، وستسألون عنها ذرة ذرة يوم تخر أقدامكم وترمون في الحفر. ولعل مخمر منكم يرد وماذا فعلت ؟ لم أبن ولم أشيد ولم أصمم ! لكنك تواطأت على الغش وأنت تعلم، وكان لسكوتك ثمن رضيت به، عن القول الحق والجهر بفضح المنكر ولم تفعل. وأما عن مهندسينا الأجلاء والمراقبين منهم خاصة، فحدث ولا حرج، عندما يبسطون المعايير والقياسات تنبهر، إنها أوروبية المصدر، لكن على الأرض افريقية التطبيق، لذا ترى كثرة الحفر، ولا تعجب إذا أنت مار يوما وابتلعتك حفرة ولم تبق لك أثر. ولعل المرء يتساءل اليوم، لماذا السكوت عن كل هؤلاء البشر، وجرمهم معروف بيّن لا يحتاج إلى دليل فالشاهد الأثر؟ ألم تتعهد الحكومة بالتصدي لكل الخطر، وأقسمت على معاقبة كل المسيئين للوطن و البشر. فما لها اليوم تكشف عن المنكر، وتترك الشعب ينتظر الزجر، فتصمت وكأنها رحيمة بالأشرار أو تقايض الشعب بالحكم، أو انبهرت من وجود العفاريت والتماسيح هنا وهناك، تكشر عن أنيابها تستعد للشر، فانزوت بزاوية تعيد النظر، وكأنك بها بورطة سقطت، وتتذكر تحذير الأخ ياسين المقتدر، و انشغلت بالبحث عن مفر، لا بتدبير شأنكم يا بشر!؟