لسان الشعب//
جريدة “لسان الشعب” تحاور السيد رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين بالجديدة في حلقات حول الإضراب الذي دعت إليه الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين بالمغرب وخاضه المفوضون القضائييون بنجاح يومي 7 و 8 غشت 2024، بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية وما أثار من جدل بين المهنيين خاصة والمجتمع عموما.
س : السيد رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين بالجديدة، لماذا الاضراب؟
ج : بداية أشكركم على الاهتمام، واسمحوا لي أن أبدأ معكم الحوار بكلمة قصيـرة حول الإضراب الوطني الذي خاضـه المفوضون القضائييـون بالمغرب يومــي 7 و 8 غشت 2024، وشل الحركة المرتبطة بعمل المفوض القضائي داخل المحاكم، وأثار انتبـاه الرأي العـام ويتعين تنويره حول الأسباب والمبررات. ذلك أن مهنة المفوض القضائي حسب سجلهـا النضالي، تعد من المهن القضائية المسالمة، الغير النزاعـة للـي الذراع بحق الإضراب لانتزاع الحقوق. هكذا يصورها المجتمع المثقف، تسعى لخلق التوازن بين ضرورة الصبر على الواقع، والصبر على الحوار من أجل التغيير، ولو تطلب هذا المنهج وقتا طويلا. اليوم فوجئ الرأي العام، بخوض هذه المهنة لإضراب إنذاري، شل الحركة داخل المحاكم وخارجها، وبمكاتب المفوضين القضائيين وحتى خارجها، قارب النجاح المائة بالمائة، ما يدل على أن الصبر بدأ ينفذ؟.
س : هل أوضحتم للرأي العام الأسباب العميقة المبررة لهذه الغضبة المهنية القويـة ؟
ج : إذا كان فعلا، قد تبلد الإحساس لدى جمهور المفوضين القضائييـن وحتى كتابهم، ولم يعودوا يدركون حقائق الأمور ويميزون الخبيث من الطيب، فلا يغضبون ولا يضربون ويستمرون يبلعون ألسنتهم وينحنون أما العاصفة. أما إذا كان العكس هو الحاصل، استفاق الرهط وتوجس خيفة من الخطر القادم، فالإضراب الناجح رسالـة لمن يجب ليتوقف عن الإضرار بنا، حتى لا أقول عن استغبائنا. فهل يعقل أن يتم الإلحاق بالمهنة الحرة المستقلة مهنة المفوض القضائي بدائرة كل محكمة ابتدائية المئات من المفوضين وكتابهم، ويمنعون من مزاولة أي نشاط غير التبليغ والتنفيذ، وهذا الاختصاص يسند بمشروع المسطرة المدنية لكتابة الضبط بشكل أصيل مع تمكين المتقاضي من حق اختيار المفوض القضائي إذا رغب في ذلك. بهذا الإسناد يمكن الاستنتاج، أن كل من التحق بهذه المهنة الحرة، فهو حر في البقاء بها أو الاستقالة، إذا لم يقع عليه الاختيار للقيام بإجراءات تبليغ وتنفيذ، ومن تم يمكنه ممارسة أي نشاط آخر تجاري أو غيره.
وتجدر الإشارة أن هذه المهنة تحتضن بداخلها حوالي خمسة آلاف فرد، معظمهم يعيلون أسرا بعد أفرادها سنصل إلى حقيقة أن هذه المهنة تعيل حوالي عشرين ألفا نفر. فقد شغل المفوضون القضائيون كتابا بمثل عددهم ويزيـد، وبمكاتبهم كاتبات بعددها ويزيـد. فوزارة العدل لا تراعي عند تنظيم المباريات الخصاص بعدد ما انتقص لهذا السبب أو ذاك، وإنما زيادة العدد للزيادة في حدة المنافسة على اختلاف السبل ولو كانت غير مشروعة لاستمالة المتقاضين من أجل الاختيار حسب رغبة المتقاضي، الذي ضمنت له الدولة حق الإنجاز بواسطة الموظف العمومي.
س : ترى لماذا أبقت وزارة العدل على كتابة الضبط تمارس اختصاص التبليغ والتنفيذ، بوجود مهنة المفوض القضائي المختصة في هذا النشاط وحده وممنوع عليها ممارسة أي نشاط آخر مدر للدخل؟
ج : العذر أكبر من الزلة كما يقال. يرددون على المسامع جهرا وهمسا أن السبب هو التخوف من الإضراب، إذا ما احتكرت مهنة المفوض القضائي اختصاص التبليغ والتنفيذ وقررت غدا لهذا السبب أو ذاك خوض إضراب عن العمل، فمن سيصرف الإجراءات التي لا تقبل الانتظار بالمحاكم؟
على سبيل المقارنة، لننظر للمادة 83 من مشروع قانون المسطرة المدنيــة 02.23 ” يبلغ الاستدعاء بواسطة أحد المفوضين القضائييـن. ويمكن للمحكمة أن تأمر، عند الاقتضاء، بتبليغ الاستدعاء بواسطة أحد موظفي كتابة الضبط أو بالطريق الإدارية أو عن طريق البريد المضمون.. ”. فلماذا أوجد المشروع الحل في التبليغ لاحتمال الإضراب ولم يوجد نفس الحل بالنسبة للتنفيذ؟ هذا من جهة،
ومن جهة ثانية، فهل الجهة التي اعتمد عليها في المشروع محرم عليها الإضراب؟ حتى يجيء المشرع بمادة إسناد اختصاص التنفيذ بهذا الشكل ”… يتم التنفيذ بواسطة كتابة الضبط أو بواسطة المفوضين القضائيين … ”.
من هي الجهة المشهود لها بالإضراب أكثر. هذا مع الإشارة أن هذا حق دستوري لا يلجئ إليه إلا المضطر.. ولا ينبغي أن يغلق هذا الباب، فهو رئة الحرية الوحيدة التي يتنفس عبرها المجمتع، كلما وصل الاختناق الحقوقي درجة اللا تحمل سواء بهذا القطاع أو ذاك.
س : حتى يعلم الرأي العام جيدا مدى معقوليـة إضراب المفوضين القضائييـن، فهذه المهنة بعد مرور 34 سنة من عمرها، وصلت إلى مرحلة احتكار التبليغ دون التنفيذ حسب المشروع، والمفوض القضائي ممنوع عليه ممارسة أي نشاط آخر غير مهنته ؟
ج : هو ما حصل بالفعل، مكن مشروع المسطرة المدنيــة 02.23 المفوض القضائي من احتكار التبليغ مع تمكين المحاكم من اللجوء للطرق القديمة عند الضرورة كتابة الضبط السلطة المحلية والبريد المضمون بالمادة 83، ولم يفعل نفس الشيء بالنسبة للتنفيذ. خص المشروع كتابة الضبط بالتنفيذ وجعل المفوض القضائي اختياريا لمن أراد بالمادة 476. ترى بهذه المكنة أسيفضل المتقاضي التنفيذ بواسطة الموظف بالمجان لأن الموظف تدفع له الدولة كل شهر، أم سيختار المفوض القضائي الذي سيكلفه ماديا ؟ والذي يزيد الطين بلة، هو جعل المفوض القضائي مجرد ”سكور”عجلة احتياطية في التنفيذ، وعدم السماح له بممارسـة أي نشاط آخر بالمادة 3 من القانون 81.03 المنظم لمهنة المفوض القضائي وتنص ” تتنافى مهنة المفوض القضائي مع ممارسة أي وظيفة أو مهمة عموميـة ومع كل نشاط تجاري أو صناعي أو معتبر كذلك بمقتضى القانون، كما تتنافـى مع مهنة محام أو موثق أو عدل أو خبير أو ترجمان أو وكيل أعمال أو مهنة سمسار أو مستشار قانوني أو جبائي، ومع كل عمل خارج مهامه يؤدي عنه أجر باستثناء النشاطات العلمية ”.فهل يقبل عاقل هذا الواقع المهني ولا ينتفض ويعبر عن غضبه وقلقـه، بالإضراب وغيره من ما هو متاح قانونا من طرق التعبير المشروعة.
السيد الرئيس، أشكركم على صراحة التعبير والتحليل الرزين للأحداث والوقائع المسببة للاحتجاج، والإضراب هو مجرد وسيلة من وسائل التعبير عنه.
نكتفي في هذه الحلقة بهذا القدر. على أن نكمل معكم الحوار في الحلقة الثانية، بتناول مسبب الإضراب الآخر بمشروع المسطرة المدنية وهو اختصاص قاضي التنفيذ بالصوت والصورة..