محمد عصام//
حجز القاضي “عبد الله التونسي” الذي يرأس غرفة الجنحي العادي ملف المدعو “النتيفي” للمداولة والنطق بالحكم، على ضوء المناقشة التي جرت بجلسة الثلاثاء 19 مارس 2024. هذه المناقشة جرت بها طرائف وسجلت بها ملاحظات، وما كان ما حدث ليحدث لولا “الفز” الذي جعل المتهم يَــقْــفِـز ويجر معه دفاعه للمهزلة..
لوضع القارئ المتتبع للقضايا الشاغلة للرأي العام لحساسية المناصب أو المرافق في الصورة بخصوص هذه القضية..
بَــطَــلُ هذه الجلسة تابعته النيابة العامة بابتدائية الجديدة بجريمة انتحال صفة وقَــدَّرت أنها ارتكب من أفعال يجرمها القانون وحدد الفصل المجرم للفعل والمحدد للعقوبة..
ولعل القارئ لهذه المادة الإعلامية يَـــحْـــدُوهُ الشَّـــوْقُ لمعرفة القصة، وحتى لا أطيل جَـــــرَّهُ خَــلْــفِي باحثا، أُقَـصِّــرُ له طريق الوصول ليُحاط علما ويَحْـكُـمَ بالإدانة بالتوازي مع حكم القضاء والمنتظر أن يكون عادلا في هذه القضية..
بَـــطَـــلُ هذه المادة الإعلامية بصفته متهما بجلسة المناقشة المشار إليها والمحجوز ملفها للمداولة والنطق بالحكم هو الدكتور “النتيفي” طبيب سابق بمستشفى محمد الخامس بالجديدة، زوجته الدكتورة “فهيم كوثر” صاحبة مختبر المسيرة بالجديدة، هذه الأخيرة أنجزت تحليلة للضحية المسماة: “ز.الغالية” بنتيجة سلبية بخصوص مرض السكر مع الادعاء بأن هذه التحليلة أنجزت بالمختبر تربطه بها اتفاقية شراكة يوجد بفرنسا. هذه التحليلة اعتمدت في وصفة طبية علاجية، وبتدهور الحالة الصحية للضحية “الغالية” جعل الطبيب المعالج يشك في نتائج التحليلة المعتمدة المنجزة بمختبر “cerba” بفرنسا بوساطة مختبر المسيرة ويوصي بإنجاز تحليلة أخرى بمختبر آخر، فكانت بذلك المفاجأة بنتائج متناقضة تماما لنتائج التحليلة السابقة، فكان الاستدراك لما يمكن استدراكه لإنقاذ حياة الضحية التي تدهورت. هذه الأخيرة، لم تستسغ تلاعب طبيبة مختبر “المسيرة” بالتحاليل المطلوبة من طرف الأطباء وتحويل التخصص المختبر من الطبــي ـ إنساني إلى تجاري ـ مافيوزي، ينشغل بجميع الأموال بدل الانشغال بحياة الناس. فكان التصدي لهذا المختبر والمطالبة بالقصاص، فقضت المحكمة بتعويض جراء هذا الخطـأ والتقصير في المسؤولية..
فإذا كان هذا هو وجه المدخل إلى المحكمة ووجه تدخل الإعلام في القضية، فإن الذي جَـــرَّ الطبيب بالمستشفى العمومي إلى الحلبة ليحاكم هو حمايته ونُصْرَته للطبيبة وهي ظالمة مقصرة، فورط نفسه في ادعاء صفات التمثيل والنيابة عن زوجته، والمختبر لم يخوله القانون ولا الوثائق بحوزته حَــمْــلُ هاته الصفة في جلسة المحكمة التي انعقدت يوم 2023/04/12 في ملف جنحي عادي2022/21047 صرح المدعو “النتيفي” بأن صفته طبيب ولا علاقة تربطه بمختبر “المسيرة”. مباشرة في الغد وفي يوم 2023/04/13 صرح “النتيفي” في محضر جلسة بحث حول ملف رقم: 2022/1202/7013 بأنه المسؤول القانوني، وهو ما أكده المحامي “عبد الغفور شوراق” أن المسمى: “النتيفي” هو المسؤول القانوني لمختبر التحليلات “المسيرة” وهو ما سجلته كاتبة الضبط في نفس المحضر تؤكد أن المسؤول القانوني هو “النتيفي”..
والحال كما ذكر، والطبيب المعلوم فقد نسي أو تناسى أنه موظف عمومي يمنعه القانون من تسيير وتمثيل المؤسسات التجارية، وادعى أنه الممثل القانوني لمختبر “المسيرة” وأنه المسؤول القانوني..
المثير في المحاكمة بخصوص انتحال الصفة، هو عدم انشغال المتهم ودفاعه في تفنيد الأدلة والحجج المعتمدة من طرف النيابة العامة بابتدائية الجديدة في متابعة الطبيب العمومي بجريمة انتحال صفة الممثل القانوني لمختبر تجاري. فَـــبَـــيْـــنَــمــا دفاعه ينشغل بمادة قانونية هي المادة 381 من القانون الجنائي ذاكرا وشارحا ومستفيضا في الشرح، شاردا ومتهربا من مجابهة المادة المعتمدة من قبل النيابة العامة في المتابعة وهي المادة 361 من القانون الجنائي، مرتكبا بذلك خطأ فادحا في الدفاع عن موكله بالإقرار الضمني بعدم وجود ردود مادية أو قانونية على وقائع المتابعة ومادة المتابعة. فكان بذلك الانشغال بمادة لا تعني النيابة العامة ولا تعني قاضي الحكم بمثابة هروب للأمام عن مجابهة وتضييع الوقت في قول ما يضر ولا ينفع، وترك بذلك لقاضي الحكم الحرية الكاملة والصلاحية التامة في تَــقَـــبُّــل قرار النيابة العامة القاضي بالمتابعة والاكتفاء بتقدير العقوبة المناسبة..
فإذا كان دفاع المتهم قد تحدث في غير المفيد، فإن المتهم لما أعطاه القاضي قول ما يريد ككلمة أخيرة ليدافع عن نفسه، بدوره تنازل عن هذا الحق ولم يقل شيئا ينفعه ويفيد القاضي في الحكم، واكتفى بإشهار غضبته علنا وأمام القاضي في الإعلام الحاضر لتغطية المحاكمات الشاغلة للرأي العام لحساسية القضايا والأشخاص والمرافق المعنية، وكأن لسان حاله ينبه قاضي الحكم إلى صحة ما تناولته “لسان الشعب” بخصوص قضيته عبر مصادرها المعتمدة، فإن لم يكن الأمر كذلك، لــكان بإمكانه أن يمد القاضي بما يثبت لجوؤه للقضاء شاكيا من الكذب والافتراء عليه..
ولعل ما زاد الطين بلة، واليقين يقينا بثبوت الجرم، هو المُـنْـزَلَقُ الذي سقط فيه دفاع المتهم الثاني بترك مناقشة الوقائع وفصل المتابعة إلى الانشغال بــلوم الضحية واتهامها وتعييرها، وكأنه بذلك راغب في تنازلها عن حقها في اللجوء للقضاء وإن ظلمت، والاكتفاء بحق السماء، فضرب بذلك أخلاقيات مهنة المحاماة عرض الحائط التي تلزم الدفاع الخصم بمخاطبة الخصوم بالحسنى والاحترام الذي يليق ويحفظ الكرامة، ويتتبع الإعلام ردود الفعل التي قد تتفجر عن هذا السلوك، وإذا ما اشتكت الضحية لحماة الأخلاق بمهنة المحاماة، فكيف يا ترى سيكون الموقف بخصوص ما صدر عن هذا المحامي وهو يهاجم المطالبة بالحق المدني بكلام غير مناسب، والذي أثار انتباه قاضي الحكم فرفع جلسة الحكم دفاعي المتهم خروجا عن الموضوع وهجوما على الضحية بغير صلاحية مخولة قانونا وأخلاقا..