محمد عصام//
قضايا كبرى تكتسي الطابع العام في المعالجة، تحتاج من مواطني الوطن أحيانا وقفة الرجل الواحد، سواء من حيث ثبات الموقف أو من حيث الدفاع عن القضية، خاصة إذا كانت عادلة عدالة الداخل والخارج.
بالأمس القريب، نادانا جزء من أرضنا، تلكأ الاستعمار في تسليمنا إدارته بعدما فرضنا عليه حرية، لبى الشعب النداء بالآلاف، حتى ما عادت تطبق وسائل النقل القدرة على نقل كل الراغبين في تلبية النداء، هذا الحدث فاجأ العالم واندهش له، فارتفع بذلك شأن الوطن في الأعين، وشأن الشعب في التقدير والاعتبار، فليس بالأمر الهين أن تنادي حبات الرمال الرجال للموت من أجلها ويسرعون الخطى مقبلين على الموت من أجل حريتها وتطهيرها من نجاسة أقدام المستعمر، هذه القيم تدريها جيدا الشعوب العملاقة في مقاومة الاستعمار ورجالاتها من أمثال لالنيهرو، غاندي، نيسول منديلا، عمر المختار والأمير عبد القادر الجزائري والقائمة طويلة..
رجال المسيرة الخضراء إذن، كتبوا بمداد الفخر اسم المغرب في القائمة البلدان الأبية المجاهدة. لكل أشكال الاستبداد والاستعلاء الأممي، والتاريخ علمنا تكرار المآسي بمثل تكرار الأفراح، والبلد الصالح هو الذي يعد أبناءه لكل الظروف..
رجال المسيرة الخضراء، هم نتاج كفاح الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، لذا روح التضحية كانت ومازالت حاضرة لديهم. اليوم نفس القضية تنادي من أجل وحدة الوقفة والموقف، وتنادي من أجل المقاومة، إذ عدو الأرض عنيد، لم تثنيه عن عدائه كل التذاكير بالأخوة والجميل الحاصل بالأمس القريب إبان محنته..
إذن الحاجة اليوم ما تزال ماسة إلى المواطن من طينة مواطن المسيرة الخضراء، فهل الأجيال اليوم في مستوى الحدث؟ لم يشهدوا حركة وطنية، ولم يلقنوا بالمدارس دروسا كافية، ولم يعلمهم الشارع ولا الإدارة دروس التضحية، لذا السؤال مطروح اليوم وغدا، هل ستكون الإجابة على النداء من أجل مسيرات في الانتظار بمثل إجابة الأمس من قبل مواطن المسيرة الخضراء؟
لعل الإجابة عن هذا السؤال ستختلف باختلاف مواقع الناس، وخير الجواب الميدان والخطير في ذلك، أن لا يتوفر البلد على دراسات علمية مسبقة في هذا الشأن، وأن يعول على الاحتمال فيفاجئه الميدان، فتحصل الكارثة، ولعلي اليوم بهذا الشك استنهض الهمم لتستدرك النواقص، فتعمل في الرخاء على صنع رجال الصعاب للغد، فربما كثر في أجيالنا، المستعدون لإطلاق سيقانهم للريح بمجرد التلويح بالعصا، فما بالك بسماع صوت المدافع وهزيج الطائرات. ولعل على رأس القيم التي يجب تلقيحها للأجيال حب الوطن والتربية على المواطنة، وذلك لن يأتي عبر كراسات المنظومة التعليمية وترديد قسم المسيرة عند الدخول والخروج من الفصل، وإنما من خلال تمكين الجميع من الاستفادة من الخدمات العامة على سبيل المساواة ودون ميز لجاه أو سلطة أو اعتبار للرشوة، فكلما ضمن المواطنون امتياز هذه الخدمات على سبيل المساواة كلما علا في أعينهم الوطن وتقدس، وعلى العكس من ذلك، كلما شاهدوا التمييز، وعاشوا الحرمان، تزداد النقمة لشريحة من شريحة وعلى الوطن..
المقدمة إذن، في تلقين دروس الوطنية تطهير البلد من الفساد وفرض سيادة القانون على الجميع دون تمييز، حتى يشعر الجميع بالأمن والعدل والمساواة في تطبيق القانون..
هذا الشعور اليوم غير صالح تماما، لذا فجيل اليوم مشغول بتحقيق العدل في كل شيء وفي جميع مناحي الحياة، والتالي لا وقت لديه ولا استعداد ولا راحة بال للتفكير في الموت من أجل حبات رمال، وبالتالي فمسؤولية حماية حبات الرمال تقع أكثر من المحظوظين في الاستفادة من الخدمات العامة دون عناء أو تكلف، لا على الفقراء المحرومين، ذلك أنه بقدر النفع تكون التضحية والعبرة لمن يعتبر..