محمد عصام//
لقد أصبح من المعلوم عند الخاص والعام أن بعض المسؤولين القضائيين وبعض رؤساء الغرف وبعض النواب بمحاكم الجديدة أصبحوا في وضعية غير طبيعية مردها إلى حالة التبعية التي يوجد عليها اليوم..
فلا أحد ينكر أن هناك خط رابط بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية وجميع محاكم المملكة، خط تتواصل فيه أسلاك “الاستفسارات” أو “المحادثات” أو “التعليمات”، حسب مستويات المخاطب أو نوعية موضوع الخطاب، كما لا يجادل أحد في أن لا تتوانى عن بث التوجهات والإرشادات..
لــــذا، كان من الطبيعي أن يتحرك مسؤولو محاكم الجديدة، وفي طليعتهم أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إدراكا منهم بخطورة الوضع، لتحمل مسؤوليتهم والدعوة إلى التدارك والإصلاح بصفتهم “جزء من أسرة القضاء”، وإيمانا منهم بأن ما يلطخ سمعة القضاء يستهدف أيضا سمعة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبالتالي يهدد الأسرة بكاملها والعدل بوجه عام..
إن أفصح مثال على هذا الرابط وهذه التبعية من أن هيمنة النيابة العامة في المحاكم أصبحت طاغية على سلطة القانون.. وهذا الوضع لم يسبق له مثيل منذ العقد الأول من الاستقلال، حيث أصبحت تتجلى هذه الهيمنة في عدة مجالات قضائية تنذر بأخطر التطورات..
وفي موضوع ذي صلة، وعلاقة بموضوع المحاكمات، أصبح يلاحظ انسجام مطلق في أغلب الحالات بين القضاء الجالس وممثل النيابة العامة (القضاء الواقف) وتأييد ضمني أو علني لكل إجراءات التحقيق، رغم صدح الدفاع بالخروقات القانونية والمسطرية..
إن مهمة النيابة العامة ليست مهنة حرفية ولا وظيفة إدارية، بل هي أمانة إلاهية أودعها الباري جل وعلا في يد الوكيل ليفصل في العلاقات بين العباد بعضهم ببعض وما بين المواطن والدولة، وبالتالي فليس وكيلا من يريد. فلا عدالة في غياب وكيل صالح ولا عدالة بدون وكيل مستقل..
إن الغيرة على جهاز القضاء، وهذا الأخير ملك للأمة، لا حق حتى للمنتمين إليه بالعبث به..
وأمام عدة وقائع ستتطرق لها “لسان الشعب” لا حقا بالحجة والدليل لخطورتها على سمعة القضاء، وجب استحضار الخطاب الملكي السامي لعاهل البلاد نصره الله وأيده في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2018/2017: “إن المغاربة اليوم يحتاجون إلى قضاء منصف وفعال، وإلى إدارة ناجعة تكون في خدمتهم وخدمة الصالح العام وتحفز على الاستثمار وتدفع بالتنمية بعيدا عن كل أشكال الزبونية والرشوة والفساد”.. فهل يترك هذا المشهد شكا في عدم الاطمئنان على حياد القاضي واستقلاليته؟ فإذ لم يكن الأمر كذلك، فكل مسؤول من موقعه، عليه أن يتحمل مسؤوليته، لينأى عن المشارك بالتستر على مثل هذه الوقائع، وقد تصل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للسلطة القضائية العلم بها..