محمد عصام//
لقد كان المغرب غداة الاستقلال يتوفر على جماعة من القضاة ممن اختاروا هذه المهنة عن قناعة وطواعية وإيمان، يمتازون بالفضل والفضيلة وبتكوين أخلاقي وقضائي يبعث الاطمئنان في نفوس المتقاضين، وكانوا ينتجون اجتهادات لا زالت تشهد بسداد فكرهم وسلامة رأيهم، خصوصا بنزاهتهم واستقامتهم..
أما اليوم، فالشاب لما يحصل على إجازة في الحقوق تصبح له تطلعات وآمال في أفق مستقبله المادي فقط، فتجده لا يفكر في كفاءة القاضي وحنكته، بل يفكر في العمل الدنيء الذي يمارسه بعض القضاة الذين ظهرت عليهم النعمة بسرعة البرق على حساب “الرشوة”. ولتذهب حصافة ومراس القاضي إلى الجحيم. المهم هو ما جنوه على ذمة الأحكام والقرارات المسمومة.. وقديما قيل: قاضيان في النار وقاضي في الجنة.. فما أدرانا اليوم، فلقد أصبح الكل في جهنم..
ويبقى السؤال المؤرق.. هل القاضي المدعو “عبد العزيز الغزالي” الذي يترأس غرفة الجنحي العادي صبيحة كل يوم الأربعاء والجمعة بابتدائية الجديدة مثواه الأخير الجنة أم جهنم؟ في ظل أحكامه الميالة والمنحازة إلى سلطة المال والجاه والنفوذ، ولتذهب حقوق “الفقير المضطهد” إلى مهب الريح..
وليعلم القاضي المعلوم، وإن لم يكن يعلم فهذه مناسبة ليعلم ويتعلم، أن أية ترسانة من القوانين وضعت لحماية الإنسان، لن تكون ولا يمكنها أن تكون واقية من الاعتداء على هذه الحقوق، فالظلم والكبرياء والتعسف صفات أساسية من شيمك ولصيقة بخصالك..
وعلاقة بالموضوع، نسوق من خلال هذه المادة الإعلامية، فحوى الشكاية التي تقدمت بها السيدة (الغالية.ز) بتاريخ 2023/07/17 إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط، في مواجهة القاضي المذكور، مفادها أنها تعرضت لحكم جائر من قبله يستحق المحاسبة والعقاب..
إنه غيض من فيض، طفا على سطح عقول المتتبعين للشأن القضائي بخصوص الحكم المجحف الذي أصدره القاضي المعلوم في حق هذه المرأة العفيفة بتاريخ 2023/07/05 تحت عدد: 21047/2022 والرامي إلى إدانتها بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 1000درهم وتعويضا مدنيا قدره 50.000 درهم.. 30.000 لفائدة الطبيبة المسماة: “كوثر فهيم” من أجل الوشاية الكاذبة و20.000 لفائدة زوجها الطبيب المدعو “هشام النتيفي” من أجل الإهانة.
والحال كما ذكر، فالحكم موضوع الوشاية الكاذبة كان محط شكاية ثانية تقدمت بها الضحية إلى وكيل الملك لابتدائية الجديدة، مرفقة بقرائن تفيد أن المشتكى بها المسماة “كوثر فهيم” متورطة في هذه الفضيحة الصحية، فقرر وكيل الملك متابعتها وإحالة الملف وأطرافه على قاضي التحقيق بذات المحكمة من أجل النصب والاحتيال وصنع وثيقة تتجلى في وقائع غير صحيحة، فقرر هذا الأخير إجراء التحقيق مع الطبيبة المذكورة وعدم مغادرة التراب الوطني..
وعلى ضوء هذه المتابعة والإحالة على قاضي التحقيق، تقدمت الضحية بملتمس كتابي إلى القاضي “الغزالي” يرمي إلى تأجيل البث في النازلة إلى حين صدور قرار قاضي التحقيق، لكون القضية موضوع الوشاية الكاذبة مرتبطة بالملف، بل هي نفسها معروضة من جديد على قاضي التحقيق تحت عدد 337.. فرفض القاضي المعلوم تسلم الوثائق التي تثبت وجود حجج تلزم القاضي عدم البث في النازلة إلى حين انتهاء التحقيق، ونظرا لرغبته الجانحة أصدر في حق الضحية عقوبة مبالغ فيها وتعويضات مدنية لا مثيل لها في المحكمة الابتدائية بالجديدة، مقارنة مع الأحكام الصادرة في الملفات المشابهة..
والخطير في الأمر، أن الملتمس الذي تقدمت به الضحية إلى القاضي المعلوم، لم تتم الإشارة إليه في الحكم الغريب، وهذا دليل قاطع على عدم حياد القاضي “الغزالي”..
ومعلوم أن القاضي المشار إليه، معروف بانحيازه وميله كثيرا لسلطة المال والجاه والنفوذ، ويوظف اجتهادات ماكرة في تعليل أحكامه.. فكيف يعقل ويصدق أن يُـغـَيـِّبَ هذا القاضي عن الحكم مرافعة دفاع الضحية وأربع مذكرات كتابية تسلمها منه، وذهب بتعليل حكمه الفاسد في اتجاه كل ما صرح به دفاع المطالب بالحق المدني على حساب خدمة مصالحه..
إنه حطب بلا نار، جمعه القاضي المعلوم على حساب حقوق الإنسان، ودسه في جيوبه، وما علم هذا القاضي أن الحطب سيشتعل نارا مهما طال الزمن.. فـــ”الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن..
وفي موضوع ذي صله، يتساءل متتبعو الشأن القضائي بمحاكم الجديدة عن سر الحكم الذي أصدره القاضي “الغزالي” لفائدة الطبيب المدعو “هشام النتيفي” زوج الطبية المشار إليها والمتورطة في الملف موضوع إدانة الضحية بالعقوبة المومأ إليها وتعويض مدني آخر لفائدة زوجها “النتيفي” قدره: 20.000درهم من أجل الإهانة أثناء مزاولة المهام. والقضية مفبركة من ألفها إلى يائها، ووكيل الملك لدى ابتدائية الجديدة فطن بذلك، لما تقدمت الضحية بشكاية تكشف من خلالها عن التناقضات الحاصلة التي أدلى بها شاهد الزور، مقارنة مع التصريحات المصنوعة من قبل المشتكي التي تتنافى وتصريحات الشاهد المستمال من قبله، فأعطى تعليمات صارمة للشرطة القضائية قصد تفريغ مضامين كاميرات المستشفى المحددة في اليوم والساعة لمعرفة تواجد الشاهد من عدمه أثناء وقوع هذه الواقعة موضوع الشكاية الكيدية.
وأمام هذه الملبسات الواضحة، تقدمت الضحية بملتمس إلى رئيس الجلسة المدعو “الغزالي” يرمي إلى تأجيل الملف إلى حين تنزيل مضامين الكاميرات بناء على تعليمات صادرة عن الوكيل الملك لابتدائية الجديدة، فرفض تسلمه وأدخل الملف للتأمل وقضى بحكم مجحف لفائدة سلطة المال والجاه والنفوذ، والشكاية معروضة على الضابطة القضائية في إطار بحث قضائي لا زال مفتوحا..
فلا يسوغ مؤاخذة السيدة: (الغالية.ز) على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبتها بعقوبات لم يقدرها القانون..
وفي هذا الصدد، نصت فصول متعددة من القانون الجنائي المغربي على عقوبات مختلفة لجرائم الأحكام المجحفة والاعتقال التعسفي وشطط في استعمال السلطة والغدر وإنكار العدالة، وقد يضاف إلى العقوبات الأصلية فيها عقوبة إضافية هي التجريد من الحقوق الوطنية، وهكذا نصت المادة 225 من القانون الجنائي على ما يلي:
“كل قاض أو موظف عمومي أو أحد رجال أو مفوضي السلطة أو القوة العمومية يأمر أو يباشر بنفسه عملا تحكميا ماسا بالحريات الشخصية أو الحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر يعاقب بالتجريد من الحقوق الوطنية”.. إذن، فهل لك بصيص من الحقوق الوطنية أيها القاضي أمام هذا الحكم؟
وفي السياق ذاته، نصت المادة 254 من القانون الجنائي على عقوبة حبسية تزج بالقاضي في غياهب السجون في حالة ما إذا انحاز وتمايل لفائدة “ادهن السير يسير”، وهكذا نصت هذه المادة على ما يلي:
كل قاض أو حاكم إداري تحيز لصالح احد الإطراف ممالاة له، أو تحيز ضده عداوة له، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم.. إذن، فما محلك من الإعراب أيها القاضي بخصوص هذا الحكم في شأن الانحياز والممالاة؟