رسائل موجهة الى بايدن.. مرارة الاعتراف بالصحراء المغربية

بقلم د/مصطفى توفيق

قاد السيناتور الأمريكي جيم إينهوفي (عن ولاية أوكلاهوما) وباتريك ليهي (ديمقراطي) 25 من زملائهم في مجلس الشيوخ ليبلغ عددهم 27 عضوا في إرسال رسالة يوم الأربعاء 17 فبراير 2021 يحثون من خلالها الرئيس الأمريكي جو بايدن على التراجع عن القرار السابق بالاعتراف رسميًا بمغربية الصحراء، وتجديد التزام الولايات المتحدة بالسعي لإجراء استفتاء تقرير المصير الذي لم يعد يتحدث عنه مجلس الأمن منذ أن قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي لإنهاء النزاع المفتعل، فالمراسالة التي قادها السيناتور جيم اينهوفي و باتريك ليهي تضم في مجملها العديد من المغالطات التاريخية مفادها الضغط على إدارة بايدن للتراجع عن الإعتراف بمغربية الصحراء ، حيث تقول الرسالة في مقدمتها : “كان القرار المفاجئ الذي اتخذته الإدارة السابقة في 11 ديسمبر 2020 للاعتراف رسميًا بادعاءات المملكة المغربية غير المشروعة بالسيادة على الصحراء الغربية قصير النظر ، وقوض عقودًا من السياسة الأمريكية المتسقة” و لكن الحقيقة عكس ما جاء في مقدمة الرسالة لأن القرار الأمريكي لم يكن وليد الصدفة بل جاء عن حقيقة تاريخية مفادها أن التاريخ لا يمكنه ان يغير الجغرافيا لأن الصحراء في مغربها و المغرب في صحرائه منذ عقود من الزمن، أما رواية الإعتراف بالصحراء المغربية قصير النظر و قوض عقودا من السياسة الأمريكية المتسقة، فهذه مغالطة خطيرة جدا و العكس هو الصحيح تماما، فهناك علاقات قوية وتابثة على مر العصور بين الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المغربية الشريفة بدأت بتاربخ 20 ديسمبر 1777، وتوطدت رسميا في 1787 عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، و بهذا لا يمكن للمؤرخين أن يتجاهلوا هذه الحقيقة التاريخية التي تجهلها الرسالة الموجهة إلى جو بايدن.

تقول الرسالة كذلك: “ظل مصير الشعب الصحراوي في طي النسيان منذ أن اتخذت الأمم المتحدة لأول مرة قرارًا يدعو إلى إجراء استفتاء على تقرير المصير في عام 1966″، فهذا الإدعاء كذلك لا أساس له من الصحة بل يساهم في تشويه الحقائق التاريخية،  فأول من وضع تصفية الإستعمار في المنطقة هو المغرب من خلال طلب رسمي إلى لجنة تصفية الإستعمار منذ سنة 1965 و يضم منطقة الصحراء المغربية بما في ذلك سيدي إفني و الصحراء المغربية منذ سنة 1975

تقول الرسالة أيضا: “بعد أن أدرك المغرب أنه من المحتمل أن يخسر تصويتًا ، انسحب فعليًا من المفاوضات في العام التالي بإعلانه أنه لن يقبل أبدًا استفتاء يتضمن الاستقلال كنتيجة محتملة ، على الرغم من سنوات من الوعود بخلاف ذلك” بل العكس هو الصحيح ، ذلك أن المغرب حاضر و بقوة في جميع المفاوضات و يشجع الأمم المتحدة على أن يقوم الأمين العام عن طريق مبعوته الشخصي بالوساطة، و لم يتبث إطلاقا أن المغرب تغيب عن مفاوضات الأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء المغربية،

 وعلى إثر هذه المراسالة يتضح أن هناك مناورات خطيرة  قام بها النظام الجزائري و من يسبحون في فلكه، خصوصا عندما انخرط البرلمان الجزائري في مناوراته البئيسة و مخططاته العسكرية الحاقدة على الوحدة الترابية المغربية، ما جعله يراسل الرئيس الأمريكي جو بايدن بتاريخ 3 فبراير 2021 مطالبا في رسالته المليئة بالمعلومات الخاطئة على أن يتراجع جو بايدن عن الإعتراف بمغربية الصحراء بذريعة أن موقف إدارة بايدن لا تتناسب مع مبادىء الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الرد لم يتأخر عندما أصدرت الخارجية الأمريكية بلاغا شديد اللهجة تحث من خلاله  رعاياها عن عدم السفر إلى الجزائر بسبب التهديد الإرهابي وغياب الأمن.

فعندما يدقق المحللون السياسيون في هذه الرسالة ، يتبين أنها غير منطقية، و تحرف الوقائع التاريخية، فعندما تشير الرسالة على أن جميع الدول الإفريقية قد أساء إليها قرار الإعتراف الأمريكي بالصحراء المغربية، فالحقيقة أن مثل هذه الأطروحة خطيرة جدا وغير منطقية ، حيث أن أغلب الدول الإفريقية راجعت مواقفها و سحبت اعترافها بالجمهورية الصحراوية الوهمية، وهناك محاولات  لتجميد هذه الجمهورية المزعومة داخل منظمة الإتحاد الإفريقي كما أوضح ذلك الدكتور تاج الدين  الحسيني في حواره مع قناة ميدي1 تيفي، و الغريب في الامر أن  الرسالة تقول أن محكمة العدل الدولية أصدرت حكما بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، و هذا خطأ و أكذوبة تجاه محكمة العدل الدولية ذلك أن محكمة العدل الدولية لم تصدر أي حكم فيما يتعلق بتقرير المصير بل كانت هناك استشارة قانونية و المغرب هو الذي طلب بذلك.

هل الصحراء كانت أرضا موات عند استعمارها من طرف إسبانيا؟ و الجواب كان واضحا بالنفي، حيث أقرت المحكمة بأن المنطقة كانت آنذاك تعرف علاقات تاريخية بين القبائل الصحراوية و سلطان المغرب عن طريق الولاء و البيعة، و جاء كذلك في الرسالة أن المغرب يتهرب من المفاوضات، بل المغرب حاضر و بقوة في جميع المفاوضات و يشجع الأمم المتحدة على أن يقوم الأمين العام عن طريق مبعوته الشخصي بالوساطة، و لم يتبث إطلاقا أن المغرب تغيب عن مفاوضات الأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء المغربية، و تقول الرسالة كذلك  أن المغرب يمتنع عن الاستفتاء مع العلم أن قضية الاستفتاء أصبحت في خبر كان، فمنذ مطالبة المغرب بمقترح الحكم الذاتي لم يعد مجلس الأمن يتحدث عن الإستفتاء بل يتحدث عن حل سياسي تفاوضي بين أطراف النزاع المفتعل.

إن تشويه الحقائق بالطريقة التي اعتمدتها الرسالة يعبر بوضوح عن مؤامرة خطيرة يقودها النظام الجزائري، الذي يدعي في روايته الرسمية أنه ليس طرفا في النزاع المفتعل و الحقيقة عكس ذلك تماما، لأنه (النظام الجزائري) طرف رئيسي و مباشر في النزاع المفتعل فهو الذي يدعم جبهة البوليساريو سياسيا و إجتماعيا و اقتصاديا كما يفعل حاليا مع مجموعة جونيف بأوروبا، و هذا كله من أجل الضغط على إدارة بايدن للتراجع عن الإعتراف بالصحراء المغربية من طرف هؤلاء المنظمات غير الحكومية التي تظمها مجموعة جونيف، و التي تخضع بشكل واضح إلى النظام الجزائري، الذي يعرقل الوحدة الترابية للمملكة المغربية الشريفة.

و من خلال ما جاء في هذه الرسالة المليئة بالمغالطات التاريخية، واهم من يعتقد أن الرئيس جو بايدن سيسحب القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بالصحراء المغربية او إلغاء قرار فتح قنصلية الولايات المتحدة الأمريكية بمدينة الداخلة المغربية، فبعد تنصيب الرئيس الديمقراطي بايدن و تسليمه السلطة ودخوله إلى البيت الأبيض بتاريخ 20 يناير 2021، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقدم على إلغاء أو سحب قرار إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالصحراء المغربية، الذي سجل و دون في السجل الفيدرالي الأمريكي، كما لا يمكن إلغاء قرار إفتتاح القنصلية الأمريكية في مدينة الداخلة المغربية، لأن المتتبع للسياسة الخارجية الأمريكية يدرك جيدا أن الحزب الديمقراطي و الحزب الجمهوري يتجهان في نفس الإتجاه فيما يتعلق بالاعتراف بالصحراء المغربية، و تطبيع الدول العربية مع إسرائيل كما أكد ذلك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في أول ندوة صحفية له بعد تعيينه من طرف مجلس الشيوخ ، حيث رحب جو بايدن بعملية التطبيع و لم يصدر أي إعتراض بالاعتراف الأمريكي بالصحراء المغربية، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن العلاقة المغربية الأمريكية على مر العصور بدأت بتاربخ 20 ديسمبر 1777، وتوطدت رسميا في 1787 عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، و بهذا المعنى لا يمكن للمؤرخين أن يتجاهلوا هذه الحقيقة التاريخية، أما رواية تقرير المصير، التي يتشدق بها النظام الجزائري و جبهة البوليساريو الانفصالية لم تعد تتجاوب مع واقع العصر، و بالرجوع إلى سبعينيات القرن الماضي، و خصوصا عندما أعلن المغفور له الحسن الثاني عن الحدث التاريخي “المسيرة الخضراء” بتاربخ 16 أكتوبر 1975 ، و في نفس هذا اليوم، الذي أقرت فيه محكمة العدل الدولية أن هناك روابط الولاء و البيعة بين سكان الصحراء المغربية و سلطان المغرب ، حيث توجه الحسن الثاني رحمه الله، ليعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء السلمية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية الجنوبية، ووضع الحد للاستعمار الإسباني، ما يعني أن قضية الصحراء المغربية قد حسم في امرها، و استرجعت بطريقة مشروعة و سلمية، و لا عودة إلى الوراء في ظل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2494 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2019 ، الذي إستجاب إلى مبادرة الحكم الذاتي لحل النزاع المفتعل منذ سبعينيات القرن الماضي، و قد أصبح واضحا اليوم و أكثر من أي وقت مضى أن النظام الجزائري الذي يقول في روايته الرسمية أنه ليس طرفا، ومع تقرير المصير، فإنه يستخدم هذه الورقة السياسية القديمة التي ولت كما ولى عهد الإتحاد السوفياتي و مصطلحاته السياسية.

اقرأ السابق

ثقافة اهل القبلة

اقرأ التالي

الضربة القاتلة…خيبة أمل كبيرة للنظام الجزائري ومن معه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *