بقلم: محمد عصام//
كانت فرنسا تعاني منذ أواخر القرن الثامن عشر، أزمة اقتصادية بسبب وقوف الدول الأوربية في وجه الثورة الفرنسية. ولما مدت فرنسا أيديها إلى الجزائر لم يتوان باشا الجزائر في تقديم القمح إلى فرنسا وإمدادها بكل ما تحتاج إليه من قروض مالية سنة 1797، وأصبحت فرنسا بذلك مدينة لحكومة الجزائر بأموال طائلة. ثم حدث أن نشبت الاضطرابات في فرنسا فاضطرت إلى إرجاء سداد ديونها عشرين سنة. وفي 29 أبريل سنة 1827 أحدثت سابقة في قصر القصبة بالجزائر، فقد لطم “الداي حسين”وجه “المسيو ديفال” قنصل فرنسا بمدية كانت في يده، على أثر مشادة قامت بينهما بسبب مطالبة “الداي” الحكومة الفرنسية بأن تدفع ما عليها من دين بخصوص ما استوردته من الحبوب. ورد القنصل عليه ردا اعتبره “الداي” إهانة موجهة إليه. لما اشتكى إلى القنصل عدم رد ملك فرنسا “شارل العاشر” على كتاب بعثه إليه، فقال: القنصل (ليس من العادة أن يجيب الملك من هو بدون واسطة).
فوقعت الواقعة، واتخذت فرنسا ذلك الحادث ذريعة لاحتلال الجزائر، ظنت الحكومة الفرنسية أن المهمة سهلة وميسورة، فأرسلت بعض سفنها الحربية لمحاصرة الجزائر..
ولكن “الداي” لم يعبأ بذلك الحصار وظلت الحكومة الفرنسية مترددة في الهجوم على الجزائر أكثر من عامين، وفي صيف سنة 1829م ذهب رسول من الحكومة الفرنسية إلى “الداي حسين” لكي يحمله على الاعتذار عما بدر منه إرضاء للرأي العام الفرنسي.
وأثناء عودته فاشلا في مهمته حيث رفض “الداي”،هبت ريح مضادة أجبرت سفينته على الالتجاء إلى الساحل الجزائري في منطقة محرمة فأطلق الجزائريون النار عليهما ونجا المندوب الفرنسي بأعجوبة.
وعلى إثر تلك الحادث، ثار الرأي العام الفرنسي واتهمت الصحافة الفرنسية حكومتها بالتخاذل والضعف وطالبتها بالقيام بعمل إيجابي لإنهاء المهمة التي تعثرت أكثر من عامين. وأخيرا في مايو سنة 1830م تحرك الأسطول الفرنسي من ميناء “طولون” يحمل جيشا جرارا ثم أحْكَمُوا الحصار حول مدينة الجزائر، وبدأ يقذفونها بنيران مدافعهم حتى رأى “الداي” عدم جدوى المقاومة، فاضطر إلى التسليم في يوم 5يونيو سنة1830م. استولت فرنسا على الجزائر، فاتفق أهل تلمسان على الدخول في طاعة سلطان المغرب، حتى يدفع عنهم هجوم الأعداء، وقدم منهم وفد لمقابلة السلطان في مكناس، فعهد إلى ابن عمه “علي بن سليمان” بالولاية على تلمسان، وسار في جيش من الودايا والعبيد وزوده بالمدافع والبارود والرصاص… وظهر في البلاد مجاهدا، “الأمير عبد القادر”، فساعده سلطان المغرب المولى “عبد الرحمان” وأمده بالخيل والسلاح والمال وسانده، واستولى الفرنسيون على تلمسان، وأخرجهم منها “الأمير عبد القادر”، ثم استردها الفرنسيون مرة ثانية، وعندما اشتد الحصار على “الأمير عبد القادر” لجأ إلى المغرب الشرقي ليستجمع قواه ويستأنف كفاحه.
فاتخذ الفرنسيون من احتماء الأمير مولاي “عبد القادر” بالمغرب الشرقي ذريعة لمهاجمة بني يزناسن ووجدة وبلاد الريف، فاحتج السلطان “عبد الرحمان” على ذلك، ولكن الفرنسيين رفضوا الاحتجاج، فاستعد السلطان للجهاد وأرسل كتائبه إلى وجدة، واشتعل حماس المغاربة، وتألف الجيش من ثلاثين ألف فارس على رأسهم “محمد بن عبد الرحمان”، ونزل الجيش بوادي “أيسلى” فالتقى بالجيش الفرنسي، كاد الجيش المغربي ينتصر لولا ترويج شائعة نبأ قتل السلطان، فترك الناس القتال وتسللوا خارج المعركة، فانهزم الجيش المغربي هزيمة شنعاء في منتصف شعبان سنة 1844م. ومن تم لم يكتف الفرنسيون بذلك بل خربوا مدينتي طنجة والصويرة والعرائش بالقنابل سنة 1845م، فاضطر المولى “عبد الرحمان” إلى طلب الصلح، وبدأت المفاوضات وتم الاتفاق على عدة شروط، منها نفي “الأمير عبد القادر” من المغرب وتسليمه..
وامتدت إلينا بذلك يد الاستعمار بفعل أيدينا، وما جره إخواننا جيراننا علينا..
في عام 1912 بسطت فرنسا نفوذها على المغرب وتركت بعض المدن الشمالية والصحراء حتى الجنوب للإسبان.. وقد تم ذلك بناء على اتفاق سري تم بينهما(فرنسا واسبانيا) وتواصل النضال من أجل الاستقلال إلى أن حصل ذلك سنة 1956، وبعد سلسلة من المفاوضات سلم الاستعمار الاسباني بعض الأقاليم المحتلة إلى المغرب، وهي طرفاية، إفني، وماطل في تحرير سبتة ومليلية.. فرفع المغرب شكوى إلى الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة التي اتخذت قرارا بضرورة تصفية الاستعمار الاسباني من الأراضي المغربية.
وفي عام 1956 دعت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة اسبانيا للدخول في مفاوضات مع المغرب حول الصحراء المحتلة من قبلها، ورفضت اسبانيا.. واقترحت تطبيق حق تقرير المصير.. وكانت موريتانيا هي الأخرى قد قدمت مذكرة تصفية الاستعمار أبدت رغبتها في الإسهام في المحادثات التي ستتم بين المغرب واسبانيا بشأن أقاليمها التي تؤلف الصحراء المغربية وظلت موريتانيا تؤكد على أن الصحراء المغربية (وادي الذهب) هي جزء من أراضيها، وإزاء تعنت الاستعمار الاسباني، تكونت فرق مقاومة من الصحراويين كبدت الإسبان خسائر جسمية في الأرواح والعتاد.
وفي عام 1969م تأسس حزب تحرير الصحراء وقدم للحاكم الإسباني عدة مطالب وقامت المظاهرات الصاخبة في الصحراء قمعها المستعمرون الإسبان وسقط الكثير من القتلى.. وفي عام 1973م تأسست جبهة البوليزاريو (جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) بديلا عن حزب تحرير الصحراء، واعتمد أسلوب الكفاح المسلح وساعدت الحكومة الموريتانية الجبهة في أول أمرها وأمدتها بالمال والسلاح عندما كانت تناضل من اجل تحرير الصحراء من المستمعر الاسباني.
وفي المغرب تألفت جبهة (التحرير والوحدة ) وقام أعضاؤها باجتياز الحدود المغربية إلى الساقية الحمراء حيث قاموا بعملياتهم العسكرية ضد الإسبان. وإزاء هذه الحركات التي أيدتها كل من موريتانيا والمغرب ضد الإسبان.. أسس الإسبان داخل الصحراء حزب الاتحاد الوطني الصحراوي، وكان الغرض الرئيسي من إنشائه هو تسليمه السلطة عند رحيل الإسبان عن الصحراء.. غير أن الجماهير الصحراوية لم تثق بهذا الحزب الموالي للاستعمار الإسباني فلم يلق استجابة جماهيرية تذكر..
وتكونت جبهة أخرى أسمت نفسها(مورحوب) وهي حركة ماركسية لم تعش طويلا. وفي اغسطس 1974 أعلن الملك الحسن الثاني، أن حكومته قد شرعت في إعداد حملة دبلوماسية للاعتراف بحقوق المغرب على الصحراء وسلمت موريتانيا هي الأخرى مذكرة لهيئة الأمم المتحدة تؤكد فيها أن الصحراء (وادي الذهب) هي جزء لا يتجزأ من التراب الموريتاني.. وعقب ذلك أبلغت اسبانيا الأمم المتحدة عن عزمها على إجراء استفتاء في الصحراء المغربية لتقرير مصيرها..
وعند عقد الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة وفي 30 سبتمبر 1974 طرح الوفد المغربي المسألة التالية:
هل الإقليمين الصحراويين (الساقية الحمراء ووادي الذهب) كانا في الأصل وكما تدعى أسبانيا خاليين من السكان وكانتا أقاليم دون صاحب عندما احتلتها إسبانيا؟ كما قدم المندوب الموريتاني طلبا بالرأي الاستشاري للإجابة على السؤالين، وقد وافق المندوب الجزائري على عرض القضية أمام محكمة العدل الدولية مع إبداء التحفظ التالي: هو (أن رأي السكان الصحراويين سيشكل دائما العنصر الأساسي والحاسم في التسوية). وقد أبدى الوفد الإسباني في هيئة الأمم احترام دولته الكامل لقرار الجمعية العامة..
وفي 10 سبتمبر 1974 اعتمدت لجنة تصفية الاستعمار مشروع القرار التالي بالجمعية العامة لهيئة الأمم الذي يطرح السؤالين التاليين:
هل كانت الصحراء الغربية (وادي الذهب والساقية الحمراء) أرضا دون صاحب عندما احتلتها اسبانيا؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي يترتب على ذلك سؤالا ثانيا: ماذا كانت العلاقات القانونية القائمة بين هذا الإقليم من جهة والمملكة المغربية والجمهورية الموريتانية؟ وقد حصل المشروع الخاص بإجابة محكمة العدل الدولية على رأيها الاستشاري 80 صوتا ضد لاشيء، وامتناع 43 عن التصويت واعتمدت الجمعية العامة القرار السابق برقم 3292 ومن الدول التي أيدت القرار الاتحاد السوفيتي وفرنسا وأمريكا وبريطانيا وامتنعت اسبانيا عن التصويت.
وفي 16اكتوبر 1975 أدلت محكمة العدل الدولية برأيها الاستشاري بشأن الصحراء فبالنسبة للسؤال الأول أجابت :
بأن الصحراء الغربية لم تكن أرضا بلا صاحب عندما احتلها اسبانيا.
وعن السؤال الثاني أجابت:
كانت هناك علاقات قانونية تربط بينهما وبين المغرب من جهة وموريتانيا من جهة أخرى.
وكان عدد قضاة محكمة العدل الدولية 16 عضوا وافقوا على إجابة السؤال الأول ب13صوتا ضد 03 أصوات.
وبالنسبة للسؤال الثاني وافقت بالنسبة للمغرب بأربعة عشر صوتا ضد واحد بالنسبة لموريتانيا.
وجاء في حيثيات الرأي الاستشاري بالفقرة 162 أن المعلومات والاعتبارات التي أبلغت للمحكمة، تبين أنه في وقت بدء الاستعمار للصحراء كانت هناك روابط تبعية قانونية بين سلطان مراكش وبعض قبائل الصحراء، كما كانت هناك بعض الحقوق المتعلقة بالأرض تمثل روابط قانونية بين موريتانيا وبين الإقليم الغربي. وقامت المسيرة الخضراء وانتهت مهمتها واستؤنفت في مدريد المفاوضات بين المغرب وموريتانيا واسبانيا، وانتهت باتفاق مدريد بإنهاء الاستعمار الإسباني للصحراء في ميعاد غايته 28 فبراير 1976..
وفي 11 ديسمبر 1975 دخل المغرب مدينة العيون عاصمة الساقية الحمراء ودخلت موريتانيا الداخلة عاصمة وادي ذهب في 11يناير 1976 بعد أن وافقت الجماعة الصحراوية بأغلبية الأصوات للانضمام للمغرب وموريتانيا.
وفي 06مارس 1976 تم الإعلان عن الحكومة الصحراوية من الجزائر، وفي اليوم التالي قطعت كل من موريتانيا والمغرب علاقاتهما الدبلوماسية مع الجزائر (علما أن هذه الأخيرة صرحت مرارا قبل إثارة القضية على المستوى الدولي والعربي على لسان رئيسها “الهواري بومدين” أنها ليست لها حقوق أو أية أطماع في الصحراء المغربية)..