محمد عصام//
من المبادئ الأساسية في النظام القضائي المغربي علانية الجلسات، وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصل 43 من القانون المسطرة المدنية، وبمقتضى هذا المبدأ، يمكن للجمهور دخول قاعة الجلسة للحضور وسماع المرافعات والنطق بالحكم، فيكون بذلك لكل شخص حق الحضور بالجلسة مع السماح له بنشر ما يدور فيها، هذا إذا استثنينا الحالات التي تكون فيها الجلسات سرية..
وقد وجد المشرع هذه الضمانة لصالح المتقاضين ولصالح القضاة أيضا، إذ بواسطتها يكسب القضاة الثقة والاحترام باطلاع المتقاضين على تدابيرهم للجلسات مع التزامهم بالنزاهة والحياد وعلى عنايتهم بالبحث في الخصومات..
ورغبة منا في توسيع نطاق هذه الضمانة “أي علانية الجلسات، لم تقتصر المحكمة الابتدائية، على إضفاء هذه الصبغة التي هي العلانية على الجلسات، وإنما ذهبت بها إلى نطاق واسع ليشمل المداولات أيضا، هذه الأخيرة ما لبث المشرع أن أكد على ضرورة جعلها سرية، نظرا لخطورة هذه المرحلة من مراحل المحاكمة، بالرغم من كونه لم ينظم طريقة تسييرها بنصوص قانونية.
ربما سيعتقد القارئ، أنه بإمكانه الحضور إلى قاعة المحكمة والجلوس إلى جانب العموم والاستماع إلى المداولة في قضية ما ومناقشتها، كما يستمع إلى مناقشة وقائع القضية وملتمسات دفاع الطرفين أو شهادة الشهود، لكن الأمر في الحقيقة ليس بهذه السهولة.. بل هناك معطيات ووقائع جعلت عموم المواطنين وكذا المحامين بهيئة الجديدة على يقين تام بأن ما يروج داخل المحكمة المذكورة من خرق سافر لبنود القانون، جعل المداولة مرحلة كباقي المراحل الأخرى التي تسبقها، كتقديم المقال أو الشكاية وحضور الجلسات ومناقشة الدفاع والاستماع لدفاع المدعى عليه والتعقيب وحتى مرحلة النطق بالحكم.
وبإلقاء نظرة بسيطة داخل المحكمة المومأ إليها أو بالقيام بجولة سريعة داخل دهاليزها، يتضح أن هناك أمورا غير طبيعية، وأن حركة المارة والوافدين على هذه المحكمة تنم عن نوع من الفوضى تكاد أحيانا تتحول إلى نوع من الاصطدام فيما بين الزوار أنفسهم أو مع المحامين، مما يؤثر على سير العمل بهذه المحاكم، خصوصا عند الاقتراب من مكاتب السادة القضاة، نجد أن بإمكان أي شخص كيفما كان أن يحظى باستقبال من طرف القاضي المقرر في قضيته، والتحدث معه بدون حرج، ودون حاجة إلى تنصيب محام للدفاع عنه، إلا إذا كان ذلك ضروريا بمقتضى القانون، وهكذا يتم خرق المبدأ الثاني من مبادئ التنظيم القضائي للمملكة وهو مبدأ مجانية القضاء..
هذا المبدأ بدوره تم خرقه بشكل سافر من طرف البعض، بحيث أصبح بإمكانك الجلوس في إحدى مقاهي مدينة الجديدة أو مقاهي المناطق التابعة لها لتستمع إلى أشخاص أميين يسردون وقائع قضية رائجة أمام أنظار محكمة المنطقة وتفاصيل أطوار المحاكمة، والوسطاء ومنطوق الحكم قبل صدوره بصفة علانية بيوم أو يومين، كل هذا يطرح أكثر من علامة استفهام وتعجب حول نزاهة القضاء بهذه المحكمة من عدمها ..
وعموما يمكن القول أننا لم نعد نقتصر على المطالبة باستقلال القضاء ونزاهته وحياده، بل نطالب كذلك بإعادة النظر في تطبيق المبادئ الأخرى بما فيها مجانية القضاء وعلانية الجلسات واحترام سرية المداولات..