محمد عصام//
شاءت الأقدار أن يشغل ذ/ جليل خالـد مهمة قاضي التحقيق لدى محكمة الاسئناف بالجديدة مدة لا تعد بالقصيرة، وعرضت أمامه قضايا مظلمة في جانبها القانوني، لغياب النص القانوني الحاسم في تصنيفها. عرضت أمامه إجراءات أنجزها مفوضون قضائيون، ومشى اجتهادا منه مع ركب الرسمية، اعتقادا منه أنها المكان المناسب لهذا العمل المتنوع والمتشعب والحديث العهد بواقع العدالة.
إدراكا منه لخطورة هذه الإجراءات على مآل القضايا المعروضة أمام المحاكم، وحتى لا يجعل من هذا السيل العارم من الإجراءات اليومية التي تنجز بواسطة المفوضين القضائيين، عرضة للنيل منها لتفادي آثارها واستبعادها من الاعتماد في النزاعات القضائية، بالاجتهاد الشيطاني المتمثل في استعارة أو كراء أو شراء حجج، كالشهود والشواهد والتصاريح وغيـرها …
فأغلق باب التلاعب والعبث، بسنه لاجتهاد اعتبر فريدا في زمانه بخصوص الحجج التبوثية التي بإمكانها الإطاحة بالحجة الرسمية، ولا علم لـي بشيء أتى به اللاحقون أحسن من ما جاء به. فرغم توالي الاجتهادات لم يجد القضاة والمستشارون والمتعقلون من قضاة النيابة العامة والتحقيق أحصف من ما جاء به للاعتماد، فبقي اجتهاده رغم التخبط المعلمة الساطعة الأجود في الاعتبار والاعتماد، بخصوص الإثبات المناسب للنيل من الرسمية.
فلقد جاء بحيثيات القرار رقم 185/06 بتاريخ 06/09/2007 الصادر عن ذ/ جليل خالد قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالجديدة ما يلي :
” وحيث إن ما أشهد به العون القضائي المتهم .. على شهادة التسليم المطعون فيها بالزور من تسلم للإنذار ورفض التوقيع يعد إشهادا رسميا صادرا من موظف ولا يمكن الإجهاز على مضمون الإشهاد إلا بحجة قاطعة غير مشكوك فيها.
وحيث إن الإشهاد الذي أدلت به المطالبة بالحق المدني من إحدى الشركات لإثبات غيابها عن محل التبليغ لا يعد حجة قاطعة وهو باعتباره إشهادا عرفيا لا طاقة له في إهدار مستند رسمي…”.
وحري بقضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق، إدراك أن صاحب الحاجة أعمـى كما يقول العقلاء. فالعديد من المتقاضين لا يستقبلون بالحزم والجد اللازم الأوراق والإجراءات التي تصلهم من المفوضين القضائيون وكتابهم، فيتعاملون معها بما تستحقه من الجدية زمانا ومكانا، وهو ما يصح وصفه بالإهمال. فعندما يندق الفأس في الرأس وتغيب الحيلة والوسيلة ويتعمق الضرر، عندئذ يجد جد المهمل ومن يؤازره في البحث عن الوسيلـة للتخلص من وقع الإجراء الحاسم في نتيجة نزاع ما. فيتعين إغلاق الباب على المهملين بمنظور أن المفرط أولى بالخسارة، وتعفى المحاكم من الخوض في العبث وهدر الوقت والجهد فيما قد يوصف من قبل العقلاء من رجال القانون والقضاء بقضايا الحلقة.
وعلاقة بالموضوع وبالقرار المشار إليه أعلاه، أصدرت الغرفة الجنائية الدرجة الأولى يوم الثلاثاء 11/02/2020 حكما ببراءة مفوض قضائي من تهمة تزوير محضر معاينة بناء على طلب، واعْتُُمد الاجتهاد ضمن الوثائق الحاسمة في النازلة.