لسان الشعب//
إذا كانت بعض الأحكام تستهوي رجال الإعلام في تناولها، للإشادة بسموهـا في الاجتهاد، فإن أخرى تستهوي رجال الإعلام بتناولها لغرابتها. أدعو القارئ للصبر على القراءة حتى النهاية، وأدعو من هم في موقع المسؤولية للتدخل من أجل حفظ كرامة الأحكام والمحاكم من العبث.
المحكمة تحكم بغلق أبواب ونوافذ منازل مسكونة
هذه النازلة موضوع هذه المقالة، ما هي إلا في الحقيقة إلا نموذجا لحالة الفوضى التي تعرفها محاكم أكادير، فإذا كان الظلم كالظلام، فهو حال بهذه المحاكم منذ زمن طويل، والناس هناك يئسوا الصبر، ولسان حالهم تكاد تسمعه يقول أين المفر؟ فهل من مستمع وهل من مغيث ؟
وردت على ‘’ ‘’ أوراق نازلة، بتث فيها محكمة انزكان الابتدائية بالحكم عدد 220 بتاريخ 26/03/2019 في الملف المدني عدد 1014/1201/2019، وأيدت حكمها محكمة أكادير الاستئنافية بالقرار عدد 4819 بتاريخ 21/10/2019 في الملف المدني رقم 709/1201/2019.
تم القضاء بإغلاق أبواب ونوافـذ أربع منازل مسكونة، ضاربة عرض الحائط مقتضيات الفصل 22 من الدستور والذي ينص ‘’ لا يمكن المس بالسلامة الجسـدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة، كانت عامة أو خاصة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسيـة أو لا إنسانيـة أو مهينـة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون ‘’.
ناهيك عن مقتضيات الفصل 21 من الدستور التي توجب على السلطات العمومية ضمان سلامة السكــان.
مست المحكمة كسلطة عمومية بسلامة الأشخاص الأربع المحكوم عليهم : عبد الله أكاز وباجي عمر وخويا عبد الله وعمر سام- بمركز آيت بوطيب قيادة بلفاع عمالة اشتوكة آيت باها – ومست بسلامة أقربائهم، ومست بممتلكاتهم، ومست بالسلامة المعنوية لهؤلاء السكان، وعاملتهم وذويهم معاملة قاسيـة ولا إنسانيــة ومهينة وحاطة بالكرامة الإنسانية. فتكون بذلك المحكمة قد مارست التعذيب في حق هؤلاء السكان بواسطة هذا الحكم والقرار كجهة عامــة.
فكيفما تكون الظروف، الحكم بهذا الشكل لا يستقيم ولا يبرر بأي تعليل، وحري بالقاضي أن يقف على الحقيقة بنفسه، لا أن يختبئ خلف خبرة تقف عند حدود مصلحة القوي في النازلة، بإثبات فتح الأبواب على مشارف الرسم وحتمية الضرر، دون أن يتعداه للبحث في الطبيعة المعد لها عقار الرسم الجار سلفا، ولو فعل لزف للمحكمة وجود تجزئة بعقار الرسم وخص المهندس المعماري الجهة المواليـة للرسم الجار حيث دور المدعى عليهم بممر، وكان الدافع للمهندس المعماري، الذي وضع تصميم التجزئة المستخرجة منها البقع، التي آلت للمدعى عليهم على مشارف الرسم الجار، وبالتالي الممر المحدث، والذي يصبح بمقتضى قوانين التعمير ملكا للجماعة بمجرد تسليم الجماعة للمجزئ شهادة التسليم المؤقت للتجزئة.
تقصير من القاضي أم انحياز وممالاة؟
كان حري بالقاضي أن يقف على النازلة بنفسه، ويستعين بخبير مهندس طوبوغرافـي يجيبه على كل المعطيات العقارية بالميدان، ويتقيد بقوانين التعمير في النازلة لا القانون المدني وحده. لو فعل القاضي ذلك، ولم تعميه الرغبة الجامحة في الانحياز والممالاة للمدعي، خاصة وسمعة هذا الأخير وشهرته وثراؤه الفاحش وعلاقاته المشبوهة توحي بذلك. لو فعل لوقف على وجود تصميم مصادق عليه لتجزئة بالعقار المحصن بالرسم العقاري المجاور المملوك للمدعي، المقابل لمنازل المدعى عليهم المفتوحة أبوابها عليه. المهندس الذي أعد التصميم ليس أحمقا حتى يعد تصميما هندسيا تفتح فيه الأبواب على العقار المجاور. لو لم يكن بعقار هذا الجار تصميما هندسيا مصادقا عليه لتجزئة، وبها ممرا مواليـا للبقع حيث منازل المدعى عليهم المخولة لصاحب العقار المجاور تخصيص بقع موالية لهذا الممر، تخول فتح الأبواب لما فعل، ولاستحدث ممرا أمام البقع.
إن البث في هذه النازلة بهذا الشكل، لينطوي على شيء من العبث بالحقوق والعدل، فلا يعقل أن يغفل القاضي معطيات تصميم التهيئة للمركز Plan d’amenagement والتصاميم الهندسيــة للتجزئات السكنية المرخصة. فهذه النازلة هزت الرأي العام باشتوكة آيت باها، واستنفرت المنظمات الحقوقية، الكل يغلي بوقائع هذه النازلة، فكانت وقفة احتجاجية يوم التنفيذ 15/11/2019، وكان التنفيذ المهزلة فقد طلب من المنفذ المناداة على المدعي ليغلق الأبواب والنوافذ بنفسه، فأبى لا استحياء وإنما للاستحالة الواقعية.
إعمال مقتضيات الفصل 254 من القانون الجنائي وارد.
هذه النازلة، ما هي إلا القطرة التي أفاضت الكأس، وإنها بحق الشجرة التي تخفي غابة من الكوارث القضائية النموذج في الانحياز والموالاة لذوي المال والجاه والنفوذ. فعلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية التدخل العاجل لتفعيل مقتضيات الفصل 254 من القانون الجنائي في حق من يثبت انحيازه وممالاته، وتسبب في توريط المحكمة في كارثة قضائيـة الله أعلم بتداعياتها، فلا ينبغي التحرك إلا خلف الحراك. الوقاية خير من العلاج. الشمال يغلي واللعنة على من يوقظ الفتنة في الجنوب أيضا كائنا من يكن.
الحامي أصبح يساعد الحرامي
المدعى عليهم، استغل الكل الضائقة التي حلت بهم، وأصبح كل من يصف لهم الدواء ولو سما يقبلون عليه يتجرعونه.
الصعوبة في التنفيذ، لا مجال لها لعدم وجود المبرر الطارئ بعد الحكم، وأكلت أموالهم أكل السحت، فرحل القانون أن لم يعمل بنتيجة مثل هذه الطلب سلفا، فالأولى له تغيير المهنة بدل الضحك على الأذقان.
وأما الذي أراد أن يصطنع لهم قضية جديدة، يعلقون عليها آمالهم شهورا إن لـم نقل سنوات، بادعاء الفلاح في رفع دعوى الارتفاق وطلب أتعابا لذلك محترمة، كالذي يتقاضى عن حل سحري اهتدى إليه دهاؤه لا ذكاؤه، فالرحمة بالناس يا ناس، فإن لم يكن يدري رجل القانون أنه لا يجوز المطالبة بحق الارتفاق في المدار الحضـري، فمن يا ترى الأجدر بأن يعلم بذلك ؟.
إن الخضوع لتصميم التهيئة وقواعد التعمير مفترض في المدار الحضري، ومن المقرر قانونا أن شبه الطرق والممرات به لا تخضع لقواعد الارتفاق المنصوص عليها في الفقه الإسلامي وإنما تخضع لتصميم التهيئـة الذي يراعى فيه خصوصيات قواعد التعمير للمنطقة. الشيء الذي سيتوجب معه على المدعي سلوك المساطر في هذا المجال، شبكة الطرق والممرات التي تدخل ضمن المدار الحضري تعتبر عقارات موضوع نزع ملكية بمقتضى تصميم التهيئـة للمنطقــــة.
شبهة السلوك المنافي لمقتضيات الفصل 109 من الدستور الذي نص أنه : ‘’ يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضـي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط. يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد، خطأ مهنيا جسيما، يصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفيـة غير مشروعة ‘’.
القاضي لم يخطأ في تطبيق القانون بل تعمد الخطأ انحيازا وممالاة
القاضي في هذه النازلة وضع نصب عينه انتماء أطراف القضيـة قبل التفكير في تطبيق النص القانوني. تم تقسيم المجتمع إلى مواطنين فئة ‘’ أ ‘’ وآخرين عاديين لا يستفيدون من نصوص القانون وأحكام القضاء إلا عندما لا تتعارض مصالحهم مع مصالح النخب ! فوداعا لصورة العدالة كامرأة معصوبة العينين حتى لا تتأثر بشخص الواقف أمامها.
ولمن يجادل في الحياد عن الاستقلالية، ندعوه للتفكير والإجابة، هل في هذه النازلة نظر القاضي في الطلب الأصلي وبحث عن القانون الواجب التطبيق، علما أنه غير ملزم بتكييفات الأطراف وإنما هو ملزم بالنظر في حدود الطلبات؟ ألا يعلم القاضي أنه ملزم بتطبيق النصوص القانونية حتى وإن أهمل المدعي الإشارة إليها، أو استند على نصوص أخرى، بل حتى إذا أخطأ المدعي في الفصل الواجب التطبيق لأن موضوع الدعوى وسببها ملك للخصوم، أما القانون الواجب التطبيق فهو التزام على القاضي، لأن تكييف الدعوى من صميم عمل القاضي لا يتقيد فيه بتكييف الخصوم ولا بطلبهم، لأن المدعي قد يخطأ في تكييف دعواه عن جهل، أو يتعمد تكييفها خاطئا يتماشى مع مصالحه، فعلى القاضي التصحيح ثم يقضي حكمه على مقتضى هذا التكييف. لذا ألزمه الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية البث طبقا للقوانين المطبقة على النازلة، ولو لم يطلب الأطراف ذلك صراحة.
الطعن بإعادة النظر الملجأ المتبقى لمن حل بهم الضرر
الطعن بإعادة النظر له ما يبرره، ظهرت وقائع لها أهمية للفصل في النزاع. ظلت خافية على المدعى عليهم طيلة نظر الدعوى. للتو حصل المدعى عليهم تصميما هندسيا من جماعة إنشـادن اشتوكة أيت باها، يثبت وجود تجزئة سكنية في عقار رسم المدعي طالب الإغلاق لرفع الضرر، والمثبت لوجود ممر محدث بالتصميم لهذا العقار موال لبقع حيث دور المدعى عليهم. هذه واقعة جديدة لها أهمية في الفصل في النزاع، استنادا لقوانين التعمير الجاري بها العمل.
وفي الختام أدعو القراء إلى التفاعل الإيجابي، فالمتضررون جزء من الشعب والمحكمة ومساعدوها جزء من الشعب.
والكل مسؤول إذا استفحل الأمر واستحال الإصلاح. فهل نظل صامتين متواطئين حتى يحق العذاب على القرية ومن فيها؟.