محمد عصام//
إذا كان للمعارضة في الأنظمة الديمقراطية فوائد، فإن أهمها من جهة، مساعدة الحاكم أو المسير أو المدبر للشأن العام على الاجتهاد وتقليل نسبة الهفوات في الأخطار وتجنب السقطات، ومن جهة أخرى، لَعبُ دور المراقب والمتتبع لتسيير الشأن العام، للتنبيه من الانحراف عن هَمّ خدمة الصالح العام والانشغال بالمصالح الخاصة، فيعم الفساد..
وقد يَشيع في الأنظمة المشوهة للديمقراطية لاستعارة الاسم والشكل والعبث في المضمون، فتجد الحاكم المستبد يحدث لنفسه معارضة صورية تأتمر بأوامره بالحركة أو بالسكون. وقد تجد الأغلبية تستبد رأي المعارضة لانتفاضتها ولا حتى ملاحظاتها، وكأن الضوء الأخضر أعطي لها لتفعل ما تريد في الشأن العام بلا حسيب ولا رقيب..
وفق هذا المَسِير الأخير، يكاد يلوح دخان كثيف فوق الجماعة الحضرية ببئر الجديد، يُنَبّأ بوجود الحريق..
وحسب مصادر قريبة من الملف، فإن رئيس الجماعة المذكور استبد بالسلطة وترك القانون للاستئناس، ويسير الجماعة بقواعد الهوى والمصلحة الخاصة، وكدأب المعارضة الجادة عملت معارضة بئر الجديد اتجاه انحراف عن خدمة الصالح العام بمنطق الأولويات، فكان الحث والتنبيه الشفوي ثم الكتابي الداخلي، ثم الشفوي الخارجي ثم الكتابي الخارجي، فالتهديد بالاستقالة..
لم يتعظ رئيس جماعة بئر الجديد من إدانته على ذمة تبديد المال العام من قبل محكمة جرائم المال العام، فضاعف التبديد وضاعف الخروقات، وكأنه يَثأرُ من المتابعة والمحاكمة، ويتحدى ويُمْعِنُ في نفس السلوك. ما جعل المعارضة يضيق صدرها عن تحمل صبر مشاهدة الفوضى في تدبير المال العام والشأن العام، فقرروا الاستقالة الجماعية احتجاجا على هذه الفوضى، فحاول عامل إقليم الجديدة امتصاص الغضب والحيلولة دون الاستقالة باستلام الورقة المُوَثّْقة لخروقات رئيس الجماعة والمهندس المعماري بها وغيرهم. بتعداد (44نقطة) تستدعي التصويب والتصحيح..
وعلاقة بالموضوع، وحسب المصادر ذاتها، أن اجتماع عامل الإقليم استغرق مع المعارضة مدة زمنية امتدت من السابعة مساء إلى الواحدة صباحا، اتخذ من خلاله قرارا فوريا يرمي إلى إبعاد المهندس المومأ إليه عن قسم التعمير، إذ اتصل فورا بالرئيس وأمره بذلك، وموازاة مع ذلك اتصل بالمفتشية العامة لوزارة الداخلية لإيفاد لجنة للتحقيق في بلاغ المعارضة حول خروقات الجماعة..
وأردفت المصادر نفسها موضحة أن اللجنة استعجلت الحلول بجماعة بئر الجديد ووقفت على الخروقات المبلغ عنها من قبل المعارضة، واستفسرت رئيس الجماعة حولها تحت إشراف عامل الإقليم، فكان التسويف والتمويه في الرد، الأمر الذي لم تستسغه لجنة التفتيش، فألحت على الرئيس بالرد الواضح دون لَفّ أو دوران..
وفي السياق ذاته، استطردت المصادر ذاتها، مبرزة أن تحدي الرئيس المشار إليه طال لجنة المفتشية العامة وعامل الإقليم، وترك الاستفسار دون رد، فاجتمع غضب المعارضة بغضب عامل الإقليم وبغضب لجنة التفتيش..
ترى من سيكون هذا الرئيس المدعو “اسقوقع”؟
إن هذا النهج في تسيير الشأن العام مشوه للديمقراطية ومُذَكّر بالتسلط والاستبداد، لم يترك المجال للديمقراطية لتحيى بالتفاعل مع المعارضة، واعتبار الجاد في ملاحظاتها وانتفاضاتها من بوابة انشغال الجميع بخدمة الصالح العام..
وإلى حدود كتابة هذه السطور، يتساءل الرأي العام عن الخطوات القادمة لإيقاف نزيف الفساد بجماعة بئر الجديد، أم أن السلطات استنفدت إمكانيتها، ولم يبق لها إلا الخروج للناس وإبلاغهم بعجزها لينظروا ما هم فاعلون..