محمد الهيني//
ان سلوك الحكومة ازاء التقاعس عن اصدار مشاريع المراسيم والقرارات المتصلة بتدبير الجانب المالي للوظائف والمسؤليات القضائية او تفعيل الاستقلال المالي لمؤسسة النيابة العامة او المجلس الاعلى للسلطة القضائية لا يمكن تفسيره الا في مسلسل التضييق على ولادة حقيقية للسلطة القضائية والرغبة في اخضاعها والتاثير عليها لتكون تابعة للسلطة التنفيذية بدون اي استقلالية تذكر وبالتالي الحكم عليها بالفشل انتقاما من حلم الاستقلالية الذي طالما تمنينا ان نراه واقعا وحقيقة لذر الرماد في الاعين كما تبتغي الحكومة
ومما لا شك فيه فان توازن السلطات وفقا للدستور يقتضي تقسيم مالية الدولة على السلطات الثلاث بشكل متوازن ويفرض ان ينال القاضي اجر رئيس الحكومة كممثل للسلطة التنفيذية ورئيسي البرلمان كممثلي السلطة التشريعية لكن ما نعيشه اليوم من التضييق المنظم والممنهج على السلطة القضائية واعضائها يثبت بقاطع عدم وجود اي نية للحكومة في تنزيل الاستقلال المالي وتحصين القضاة اقتصاديا واجتماعيا تبعا لمركزهم وكرامتهم وكرامة الرسالة التي يشغلونها لقطع الطريق على اي منفذ يمس تخليق مرفق القضاء ونزاهته والثقة المفترضة فيه
حاصل القول اليوم ان السلطة القضائية في مفترق الطرق ويراد تحجيم دورها من طرف حكومة العدالة والتنمية لاقبار استقلاليتها واهانة اعضائها لتكريس تبعيتها للسلطة التنفيذية لاسيما ان كل الميزانية التي كان يتم توفيرها لوزارة العدل سابقا ابان رئاسة وزيرهم للعدل لها انقطع صبيبها اليوم وكانه يراد الانتقام من الفصل بين وزارة العدل والسلطة القضائية للحنين نحو التبعية
فرغم تقديرنا لدور وزير العدل الحالي وحسن نيته في تدبير المرفق الا ان الحكومة غير مبالية باهمية توفير شروط استقلال السلطة القضائية وانضاج التجربة وانجاحها لصالح الاستقلال المؤسساتي المالي الحقيقي وليس الصوري ولصالح ضمان كرامة القاضي ويدخل ضمنها تحصينه ماليا بمراجعة الاجور بشكل دوري وضمان حصوله على التعويضات عن الوظائف والمسؤليات حتى يبت في القضايا ويحكم بضمير لان الضمير وحده لا ينفع ,فالاستقرار المادي هو عنوان الكرامة والضمير والثقة والاحساس بالمسؤلية لان الشجاعة لا تكفي اذا كان القاضي غير محصن من مغريات الوظيفة, فعلى الحكومة ان تحاسب نفسها في هذا المضمار
لقد تثبت جليا من تنطع الحكومة وظلمها للسلطة القضائية انها تقول للقضاة ان الاستقلالية لا تنتج بالقانون وانما بارادتي التي يمكنها ان تعصف باي شيء طالما انها تملك مفاتيح الرزق ومصادر التمويل مما يجعل مطلب الاستقلال المالي للسلطة القضائية بجميع اجهزتها ومحاكمها وقضاتها وموظفيها اليوم هو الفيصل لاثبات الذات وقطع مداخل التاثير عليها وفي غيابه فان الاستقلالية ليست سوى خدعة قد يصدقها الحالمين من امثالي .