محمد عصام//
يسميها الغرب دبلوماسية، ويسميها الشرق نفاقا. لطالما تحلى بها القاضي والمحامي على مضض، إدراكا منهما أنه بدونها لن يتعايشـا، ويطيــرا بالعدل بعيدا عن باقي المكونات المساهمة فيــه بقوة. يتغنيان نفاقا وبلا خجل، نحن جناحان بهما تطير العدالة وتسمو، وغيرنا إضافة بلا معنى وحاشية بلا قيمة، ولطالما صعدت الحقيقة إلى أعلى، كما يصعد الزيت المختلط بالماء، وتفجرت الحوادث هنا وهناك سرا وعلنا. ولطالما استقوى جناح المحامي بالوزير المحامي ومد سلطانه، شل حركة الوكيل العام التأديبيـة والجنائيـة تجاه المحامي، واحتل بنايات المحاكم وأحدث القصور، وحيث هي رغبة المحامي وأمر الوزير، فماذا عسى القاضي يقول أو يفعل، وهــو يشعر بجناحه يتقلم ويتقزم وجناح المحامي يتطاول ويتمدد، وصل إلى حد إعلان الرضا سرا وأحيانا علانية ببقاء فلان هنا ورحيل آخر إلى هناك، وهلما جرا.
ولمـا انحصر بقدرة قادر قول الوزير، عاد جناح القاضي إلى النمو والاخضرار، بعد طول انكسار واصفرار. الاستقلالية منعت التدخل في الشؤون الداخلية للقاضي، وصدرت الأوامر برفع الرأس وإحداث القطيعة، مع الانبطاح للجناح الآخر، بل والعمل على أن يحتل هذا الأخير مكانه الطبيعي إلى جانب باقي الحواشي. أحس المحامي “زيان” بحسه التاريخي العميق بقدوم العاصفة. أدرك ذلك بلمس الصمم تجاه قوة مرافعاته وخطاباته، فصرخ من شدة الألم، صرخة اليقظة والتحذير من خطر قادم. كيف لا وبالأمس القريب 22/11/2011 بمقتضى القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، وفي أوج التنديد الشعبي بالفساد الشامل، وهب المحامي “الرميد” للمحامين عبر وزارة العدل ريعا تشريعيا، مكسبا اقتصاديا بدون عناء، بنزع صلاحية تحرير العقود من الكتاب العموميين وحرمانهم من مصدر إعالة الآلاف من أسرهم، وإهدائها للمحامين.
لم يبال الوزير المحامي بهذا الضرر لهذه الفئة العريضة من الشعب، ولم يبال بالضرر الذي سيصيب فئة عريضة من فقراء الشعب أيضا بتحرير العقود بثمن بسيط مقبول لا يتعدى في الغالب مئة درهم، وتحميلهم وبال تحريرها بمبالغ مهمة نادرا ما تقل عن ألف وخمسمائة درهم. هذا ناهيك عن كارثة تحرير العقود الخالية من الوثائق الضرورية، التي يشترطها العدل والموثق لزوما احتراما للقانون. غدا سيستفيق المشرع ومعه الشعب على كارثة نهب أملاك الدولة والجماعات المحلية وأملاك الجموع وأملاك الغير خاصة الغياب عن المنطقة أو الوطن، باستيطان فئة عريضة من الشعب بها أو الانتفاع بها بسند هذه العقود الوهمية.
كوارث عقارية لم يعرف لها مثيل خلال الزمن الطويل لتحريرها من قبل الكتاب العموميين. هذا مجرد ربح فوق العادة قل نظيره، مستنكـر من قبل الجميـع حتى من قبل عقلاء المحامين إلا المستفيدون منه. هذا وحده كاف سببا لانتفاضـة شعبية لا يـقـل سببهــا أهميـة عن أسبـاب انتفاضـة الحسيمة واجرادة. إن الشعب المغربي صبور عول على تدخل جلالة الملك بديلا عن الخروج في مظاهرات منددة. قد تكون الحقيقة الخفية وراء غضبة وهجوم “زيان” على المؤسسة القضائية. قـد تكون الحقيقة الخفية وراء الصمت – النصرة لهيئات المحامين لبادرة “زيان” الهجومية للحفاظ على المكاسب وما أكثرها.