الخط الأحمر والخط الأخضر فأيهما مستحب

محمد عصام//

يقول العالم، لا مكان فوق الأرض وتحت الشمس لمن جلس ينتظر، فالكل يسير، والسير متفاوت، كل يخطو على شاكلة..

ويقول العلماء، الكل يتحرك، ولا شيء ثابت، حتى الأرض تدور، لذا يجب الحركة على الدوام وإلى الأمام..

الحركات للخلق فوق الأرض وتحت الشمس متباينة، بمكان سريع جدا وبمكان بطيئة جدا..

السير يرجعه البعض إلى عوامل خارج الذات، وآخرون إلى عوامل بالذات نفسها.

بخصوص عوامل خارج الذات، اتهموا مرة الهواء، ومرة الماء، وحتى الحر والبرد..

وبخصوص العوامل داخل الذات، اتهموا الأجداد، واتهموا الأحفاد.

وحيث نحن من الكرة الأرضية، حظينا عن جدارة بنعت أسود الأطلس، وهذا يرفع التهمة عن الأجداد، فقد كانوا أسودا فعلا في زمانهم، ومع الأمم أمثالهم..

للعوامل خارج الذات أيضا، بما أن الأجداد كانوا أسودا، فالتهمة إذن لصيقة بالأحفاد. فهم نائمون ولا يخطون إلا خطو السلحفاة، حتى يوشك العالم نزع الأسودية عن أطلسهم ويلصق بهم نعت الفئران..

العالم لا يرحم، والتاريخ لا يظلم.. فمن يشد الأحفاد إلى الوراء؟

قيل ولاة الأمر، واستند القائل على قول: مسؤولية الحكومات المتعاقبة تجاه المواطنين.

وقيل المواطن، واستند القائل على قول بليغ: كيفما تكونوا يولى عليكم..

وقيل الآخر: الحاسد، الحاقد، اليهودي، الصليبي، وقيل عيبنا فينا وقيل وقيل…

تحرك العالم ينفض عنه وحوله الغبار، كل مواطن على شاكلة وتحرك الساسة يدافعون، بعضهم على المواطن وبعضهم على استمرار الوضعية.

المواطن غاضب، عانى من الظلم المحرم بين العباد، الذي تفشى حتى ساد وسود البلاد، وما عاد اليوم يكفيه، تضميد جرح هنا وجرح هناك، بل السخاء بكل شيء للحفاظ على شيء، وإلا ضاعت الجمال وسائقيها في الفيافي والقفار..

إنهم اليوم تائهون، فقد انشغل المدرسون بدروسهم عن تدريس تلاميذهم، وطال بهم العهد، والكل على تلك الحالة، المدرسون متغافلون والتلاميذ ضاعوا فتاهوا في الدرب، حتى استيقظوا على طبول الجيران تقرع على مسامعهم، تهتف بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية… التفت التلاميذ عندئذ إلى حالهم، فوجدوا أنفسهم بدروبهم، بدون حرية ولا كرامة ولا عدالة ولا ديمقراطية… العاقل منهم يدري المسؤولية والسبب، والمدجن منهم ثار ضد الجميع، دون أن يدري المسؤول عن حاله ولا السبب.. الصيحات تتعالى، قف تتعالى، قف تمهل، تريث لا تفعل.. لكن هيهات، ما عاد يسمع، ولا عاد يخشى ردّات الفعل..

إنهم تائهون يخطون الخطى إلى الوراء، إما لجمع الأنفاس والقفز إلى الأمام، وإما السقوط في الويل كويل جهنم. فارفعوا الأكف وادعوا بدعاء اللطيف، وتذكروا أنه يوما تسلحنا به، وقادنا إلى بر الأمان.

إن للعدل في حياة الشعوب مكانة عظيمة، إنها الركيزة القوية التي تشد بنيان الحياة المدنية، إن مجر الشعور بالعدل يعطي الطاقة للاستمرار في الحياة بأمان وطمأنينة..

العدل المقصود هو العدل الشامل.. العدل الاجتماعي، العدل الاقتصادي، العدل السياسي.

العدل الاجتماعي: بعدم التمييز لأي سبب، إلا الكفاءات، وإعطاء الأفضلية للضعفاء من الاحتياجات الخاصة، احتراما لروح التضامن والتكافل الاجتماعي المحبوب من طرف الجميع..

العدل السياسي: باحترام الديمقراطية في الحكم والقيادة وتسيير الشؤون العامة، وقول يعلو على قول الكفاءة وغلبة الأصوات، ودون ترغيب ولا ترهيب ولا زندقة..

لقد غاب الإحساس بالعدل عن البشر، اهتز الأمان في النفوس وعمها الاضطراب والخوف والقلق على المصير، فما عادت تستشرف إلا الكوارث..

إنها اليوم تتململ، تريد أن تقول شيئا.. شيئا ثقيلا تحس به من زمان.. يندفع بداخلها ضغط للخروج.. لقد تجمد سنين طويلة بالأجسام، وحان وقت الخروج، فكيف الخروج؟

-إما الاعتراف الشجاع بالمسؤولية عن ما حل بالبلاد والعباد من فساد، وإحداث قطيعة ابستيمولوجيا مع الماضي ومآسيه.. وهذا خط أخضر..

-وإما مواجهة القنابل البشرية التي ستنفجر بالقنابل، وهذا خط أحمر..

وعلى قدر ما يكون الزرع، سيكون الحصاد، والعبرة لمن أراد الاعتبار..

اقرأ السابق

قاضيــــة تضـــــع حــــــدا لحياتهـــــا بالانتحـــــــار شنقـــا

اقرأ التالي

زيان وموضة الهجوم على رموز المؤسسات للتميز ..مراهقة بعد الأوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *