محمد عصام//
في عهد الخلفاء الراشدين كان للقضاء شأن كبير، ويتبوأ القاضي مكانة رفيعة في الدولة، وعلى قدر شأن هذه المكانة يقع اختيار القضاة لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وقد تميز عهد عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه، باستقلال القضاء بمعنى الكلمة، يدل على ذلك ما ورد في مقدمة ابن خلدون المتعلق بالخطط الدينية..
وعلى العكس من ذلك، أصبح بعض القضاة لا يبالون ولا يفكرون في خصال القضاة الذين بصموا بصمات من ذهب في مجال الصرامة والنزاهة، ولا يستشهدون باجتهاداتهم الرزينة، بل أصبحوا يستشهدون بالقاضي الكسول (الرشوي) الذي ظهرت عليه النعمة بسرعة البرق..
وعلاقة بالموضوع، نسوق في هذا المقام، ملف مدني رقم 2022/1201/400 تجري أطواره باسئنافية الجديدة بعد النقض بين المدعي: علي أرسلان ومدعى عليه عبد الكامل الكحل، هذا الأخير قام بافعال تضليلية وتدليسية، لما حمل المدعى البالغ من العمر 78سنة إلى إحدى المقاطعات الحضرية من أجل التوقيع على أداء واجب الكراء، فإذا بالسيد أرسلان فوجئ بإيهامه من قبل عبد الكامل الكحل بإنجازه لإشهادات أخرى لا علاقة تربطها بواجب الكراء، الأمر الذي حدا بالضحية إلى رفع شكاية إلى وكيل الملك بابتدائية الجديدة في مواجهة الطاغية ومن سيسفر التحقيق على تورطه، خصوصا وأن هذه الإشهادات تم المصادقة عليها ببطاقة التعريف الوطنية منتهية الصلاحية من قبل موظف بالمقاطعة الحضرية..
وأمام رفع الشكاية المذكورة في مواجهته وأتباعه، بدأ يتشدق بعلاقته ببعض القضاة، وعلى رأسهم القاضي المقرر في الملف موضوع الشعبة المدنية الذي حجز الملف للمداولة للنطق بالحكم قبل أن يتم تمديده إلى يوم الاثنين المقبل، وذلك بعد أن تم مواجهتهما بخصوص الإشهادات المزورة التي هي محط شكايتين.. وسنعود إليها بالتفاصيل..
وما أثار انتباه الحاضرين بجلسة الحكم، هو أن المدعى عليه، اسمه “عبد الكامل الكحل” وفق ما هو مدون وثابت بالوثائق التي يتوفر عليها القاضي، إلا أن هذا الأخير يخاطبه باللقب “العوني” المعروف به في الشوارع في المقاهي… الأمر الذي جعل الحاضرون يفطنون بالعلاقة التي تربطهما..
وكثير ما يردد العموم في الجلسات، القولة الشهيرة ذات الدلالة العميقة “المال السايب يعلم السرقة”..
إن بعض المندسين في الميدان القضائي يحرصون على حماية مصالحهم المسمومة، وفي اعتقادهم أن السلطة التقديرية تقيهم وتحميهم، فيصبح المظلوم الفقير مهمل كأرملة والظالم الغني مهتم به كأسد من أسود الأطلس مثل (أشرف حكيمي) وغيره..
وفي السياق ذاته، جال فكري في عدة مواضيع تتعلق بفساد بعض قضاة محاكم الجديدة وبنزاهة بعضهم، ففضلت العودة إلى الانطلاقة الأولى في العمل القضائي، إلى مأثرة أول قاض في الإسلام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، الذي قال: “رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا وأنا حديث السن، فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث (أي تقع عندهم مستجدات من النوازل)، ولا علم لي بالقضاء (أي بصناعة القضاء)، قال: “إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك”..
تلك المأثرة في عهد الإمام علي رضي الله عنه، موضوع يفتقر إلى الشرح والتحليل والتوسع في التدليل، لكن ليس باستطاعتي في هذه العجالة سوى التركيز على ما تدعو إليه الضرورة ويستلزمه المقام، مما قد يعتبر من قبيل النماذج والأمثلة..