محمد عصام//
صححت الغرفة الجنحية لاستئنافية الجديدة برئاسة ذة/ “بهيجة شفاري” الخطأ الفادح الذي كاد ينسف الثقة في القضاء بالجديدة، ويهز الأمن القضائي الذي لازم أن يشعر به المواطن للحفاظ على الأمن والنظام العام، وما أحوجنا اليه اليوم والغد أكثر من أي وقت مضى. ويتعلق الأمر بإدانة الغرفة المذكورة في بحر الأسابيع القليلة الأخيرة المحامي بهيئة الجديدة المدعو (ب لح) بشهرين حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة من أجل جنحة خيانة الأمانة والإخلال بالمهنة. بعد أن برأته الغرفة الجنحية لابتدائية المدينة..
وتفجرت هذه القضية على ضوء شكاية تقدمت بها “نعيمة احريملة” إلى الوكيل العام لاستئنافية الجديدة في مواجهة المحامى المعلوم، مفادها أنها توصلت بإنذار من هذا الأخير، يطالبها بواسطته بأداء واجبات كراء لفائدة موكلته، فترجلت نحو مكتبه وسلمته المبلغ المضمن بالإنذار، و لم يسلمها الوصل المقابل، إذ تهرب بادعاء عدم التوفر عليه، واستعاض عنه ببطاقة زيارة على ظهرها كتب بخط يده إشهاد تسلم المبلغ مستخفا بها.. و أكمل الخدعة بإنكار تسلم المبلغ وإنكار خط بطاقة الزيارة، الأمر الذي حدا بالنيابة العامة إلى إحالة البطاقة على مختبر الشرطة العلمية بالدار البيضاء من أجل إنجاز تقرير خبرة خطية التي خلصت إلى أن المتهم فعلا خان الأمانة، خصوصا أمام إنكاره في جميع المراحل.
عندما وصل الأمن القضائي إلى الحضيض بدولة تونس وأصبح في خطر، من حيث الانحياز لسلطة المال والجاه والنفوذ، خرج الشعب إلى الشارع يحتج ويندد ويردد الشعار الخالد “لمن تشتكي حبة قمح إذا كان القاضي دجاجة”، لذا يجب على القضاء أن يتحمل مسؤولية العدل والتطهير، لا أن يختبئ خلف ستار بذلته بذريعة الانتماء للأسرة، وينحاز، كما فعلت الغرفة الجنحية لابتدائية الجديدة برئاسة:”القاضي محفوظ قبلي” بتاريخ 2017/9/21 في هذه القضية موضوع الملف عدد 2016/10835 جنحي عادي، التي تواطأت في اكتشاف كنه هذه الخيانة المنسوبة للمحامي المعلوم رغم الأدلة والحجج الدامغة والكافية لإدانته، إلا أنها قضت ببراءته من المنسوب بدون سند أو حتى شك يذكر.. مما يفسر أن هذا الحكم معلل بترهات تدين صاحبها، بل يطرح أكثر من علامة استفهام وتعجب حول المعايير والمقاييس التي اعتمدتها الهيئة الحاكمة في ذلك، أما عن جودة الأحكام من عدمها، فتلك القاعدة الغائبة عن أذهان وأمخاخ بعض قضاة ابتدائية الجديدة، وعلى رأسهم قضاة الهيئة الحاكمة..
أن كل متصفح لهذا التعليل موضوع الحكم المومأ إليه، يستنتج أن المحكمة الابتدائية برئاسة القاضي المذكور، أصدرت حكمها وهي معصوبة العينين، كيلا ترى إدانة المتهم، باعتبار هذا الأخير محامي، ومنهم وينال رضاهم، بل جزء لا يتجزأ منهم، ولهم قاسم مشترك، ألا وهو، همُّ الاغتناء على حساب المتقاضين والضعفاء منهم.
فبالرجوع إلى التعليل المشار إليه، نجد أن فحواه في واد، ومناقشة متابعة المتهم من أجل خيانة الأمانة في واد آخر، كما أنه غرد خارج سرب فصول المتابعة، لما ناقش مراحل الحكم الصادر عن المحكمة التجارية، الذي هو في منأى عن فصول المتابعة، بل كان على هذا التعليل أن يذهب إلى أبعد من ذلك لإحقاق الحق، ويقول أن المحكمة التجارية أقرت ضمنيا أن المحامي المتهم فعلا قد خان الأمانة، خصوصا لما عملت هذه الأخيرة على ضخ واحتساب المبلغ الذي تسلمه من السيدة “نعيمة احريملة” ضمن واجبات الكراء التي هي بذمتها، وهو المبلغ الذي أنكره المتهم في جميع مراحل التقاضي، إلا أن الخبرة الخطية فندت زيف إدعائه، لما خلصت أنه كتب على ظهر بطاقة زيارة بخط يده إشهادا يفيد أنه تسلم المبلغ..
والمثير للاستغراب، أن هذا التعليل لم يعرج ولم يتطرق بالبات والمطلق إلى الخبرة الخطية، التي كانت محور الملف وأطرافه، وسندا للنيابة العامة في صك متابعتها في حق المحامي المتهم..
إنه تعليل يجعل المُلمُّ والمتتبع للشأن القضائي يقف مشدوها من هول صدمة فساده، ويفرض على شرفاء العلم والمعرفة، العزوف على مناصب القضاء..
إن مثل هذا التعليل موضوع هذا الحكم، يستدعي توجيه استفسار للهيئة الحاكمة، لتوضح ظروف وملابسات هذا الحكم المشبوه، مع التنقيب والتفتيش في باقي الملفات التي سبق وأن قررت فيها هذه الهيئة، موازاة مع النعمة التي ظهرت على مُصدريها..
وعبر التاريخ، انتصر الظلم على الحق في العديد من القضايا بمحاكم الجديدة، فبالأمس حكمت محكمة “الحاج الشعيبي” على بريئين بالسجن مدى الحياة من أجل جناية القتل العمد، وبعد أن قضايا عشر سنوات في غياهب السجون دون أي ذنب اقترفاه، ظهر القاتل الحقيقي “سفاح الجديدة” لكن فات الأوان، فواحد وافته المنية فور الإفراج عنه، والآخر لازال ينتظر، بعد أن فقد بصره داخل أسوار السجن.. ولم تُأخذ العبرة من ذلك، بل أُخذوا العبرة من نجاة سلفهم “الحاج الشعيبي” من المحاسبة والعقاب. ولسان حالهم يقول للمتقاضين “انتظروا فينا قصاص الآخرة، ولا حق لكم فينا من قصاص الدنيا.. فأحكامنا تحت ذريعة القناعة والاستقلالية، تقينا شر المتابعة والتأديب”..
نعم حكمتم، وما تألمتم لعاقبة الأمور، لأن الحي بداخلكم ميت، قتله الحرام وحبكم لأولاد الحرام، وإذا كثر أولاد الحرام فعلى الدنيا السلام.. ولنا عودة..