لسان الشعب//
المهن تقف شامخة برجالها ونسائها، الرجال والنساء الذين يعلون من شأن المرفق ولا يحطون من شأن المرتفق، ويعملون لتحفظ كرامة حامل البطاقة المهنية. هؤلاء الرجال والنساء هم القدوة، هم الذين تلوكهم الألسن الضعيفة كفاءة وخلقا بالشر، وتلوكهم الألسن القوية المتخلقة بالخير، بالصباح والمساء وبكل الدروب والملتقيات.
مناسبة هذا الحديث، تصفحي صدفة لجدول المفوضين القضائيين بالجديدة، فأثار انتباهي مكتوب بآخر الجدول لرئيس المجلس آنذاك الأستاذ سعيد القرشي تحت عنوان ” وجهة نظر بخصوص دور المهنة في الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة ”، فوجدته جدير بالقراء فقرأته وقيمته بزمانه. الرجل لم يتخلف عن الركب وتكلم وكتب وترك البصمة شاهدة على ابتلائه البلاء الحسن وهو يدافع عن المهنة. مناسبة جعلتني أدري الكره الذي يلاقيه حتى من عدد من زملائه خاصة القدماء منهم، لا يذكرونه بخير لا لشيء إلا لتميزه عن هشاشة سيرتهم المهنية جميعا. خصوصا والتاريخ لا يسجل لأي منهم على الإطلاق جر سطر واحد طول عمرهم في المهنة يدافعون عنها، في الوقت الذي جر فيه هذا الهرم في الكتابة العشرات من الكتابات، تكاد تكون كتابا جديرا بالقراء بتجميعها وتصفيفها.
ولقد ارتأت لسان الشعب إعادة نشر هذه المقالة بطبعتها الإلكترونية، لتذكير من يجب وهل من مذكر؟ من قوم ”الهيوش” كما وصفهم أحد بقاء هيئة المحامين بالجديدة وأنا قادم معه على متن سيارته عائدين من المشاركة بندوة علمية نظمت بآسفي، لم يستثن هذا النقيب المنتقد بواقعية إلا صاحب هذه المقالة، وهذا نصها :
وجهة نظر بخصوص دور المهنة في الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة
منذ التخلص من الاحتلال بالاستقلال، والحديث عن إصلاح القضاء يتكرر على مسامع الشعب، فصار معجزة منتظرة، وتسرب الملل للناس إلى حد الامتعاض من الحديث عن الإصلاح، فصار سخرية و’’ أفيونا ‘’، ولما جد جد الحاكم والمحكوم بالعالم العربي بعد أحداث 2011، انطلق الحديث عن الإصلاح ‘’ براديكالية’’ جادة شملت الإسم والمسمى، بدل الحديث عن إصلاح القضاء أصبح الحديث عن ‘’ الإصلاح العميق والشامل لمنطومة العدالة ‘’، قيل هذه المرة لن تؤثر السياسة في بنوذ الإصلاح، وسينتصر الخوف على الوطن على الخوف على المهن، وسنرتقي بالحوار ثم بالتشريع، ولن يبق في المنظومة ظالم أو مظلوم، فجئت بهذه الرسالة الحرة كرأي حرمن عمق الممارسة المهنية، لإثارة الانتباه للعادي والبادي الذي يهمه الإصلاح ويهتم للإصلاح، الرسالة – النصيحة ‘’ تأهيل مهنة المفوض القضائي نصف إصلاح منظومة العدالة ‘’.
تأهيل مهنة المفوض القضائي
نصف إصلاح منظومة العدالة !
من منطلق أن كل القضايا بالمحاكم تحتاج إلى التبليغ إلا ما نذر، ومن منطلق أن كل القضايا بالمحاكم تحتاج إلى التنفيذ إلا ما نذر. ومن منطلق أن تحقيق الاستقامة في هذين الأمرين، تتحقق معه السرعة وتتحقق معه الجودة وتتحقق معه الفعالية. وإذا تحقق ذلك، استفاد الجميع، المواطن ونائبه أو مؤازره، القاضي والمسؤول القضائي، الوزارة والدولة، بضمان بياض نصف وجه العدالة بالوطن، وبكلفة بسيطة جدا ماديا وتنظيميا – ما دامت العدالة اليوم كتابا أبيض لكن شديد السواد – عندها تكرس الدولة الجهد في محاربة السواد بالنصف الآخر من وجه العدالة. لكن كيف الوصول إلى الاستقامة في التبليغ والتنفيذ، لنضمن نصف وجه العدالة أبيضا؟. ببساطة النظر في أمر تأهيل مهنة المفوض القضائي، لتمتلك القدرة على العمل، وتمكينها من سلطات قوية تضمن الاحترام لها، ليكون التعاطي مع خدماتها ميسرا، وتمكينها من كل الاختصاص تحتكره وتتميز به. لكن كيف يمكن تأهيل مهنة المفوض القضائي؟ الأمر أيضا بسيط للغاية، يكاد ينحصر في نقط قليلة، أولها ضبط الولوج باشتراط الحصول على شهادة الكفاءة المهنية، من معهد متخصص يدرس به الملتحق على الأقل سنتان، مع إلزامية إحداث دورات للتكوين المستمر وإلزامية حضورها تحت طائلة الجزاء، والسماح بالتلاحق من وإلى القضاء وباقي المهن المرتبطة بالعدالة، كالمحاماة والتوثيق العدلي والعصري والخبرة… وثانيها إضفاء الصفة الضبطية على المفوض القضائي والصبغة العمومية على مكتبه، والتنصيص صراحة على شكله، كشرط لازم للممارسة، شرعية ذلك أنه مفوض من قبل السلطة العمومية في الاختصاص، ومد المجال ليتوافق مع نفوذ المجالس، ولم لا التحفيز، بتكريم القدماء، ذوي السلوك الحسن، بصلاحية الممارسة داخل كامل تراب الوطن. وثالثهما تمكين هذه المكاتب من صلاحية مسك جداول الجلسات، وتسلم الطلبات، بعد أداء الرسوم القضائية، والتكفل بتحرير الاستدعاءات وتبليغها، وإحالة الطلبات على المحكمة، جاهزة المقدمات للبث فيها. وكذلك تمكينها من صلاحية، فتح ملفات للتنفيذ الجبري للسندات، المقدمة لها مباشرة من الأطراف، أفراد أو مؤسسات، بعد أداء الرسوم طبعا، والتنفيذ الودي للعقود التوثيقية والعرفية والأوراق وما يدور في فلكها، كضرب من الوساطة والتحكيم، كأسلوب حضاري راق، لحل النزاعات … وذلك تخفيفا على القضاء من كم القضايا، ومد الجسور مع المؤسسات العمومية لمساعدتها في تحصيل ديونها؟ ورابعها تمتيع المفوض القضائي ومكتبه، بالحماية اللازمة، تتناسب وطبيعة الاختصاص، والفضاء الممارس فيه، وتركيبة المجتمع المعقدة. وتقدير أتعاب تقي الحاجة وتصون الكرامة، وان تكون موضحة بدقة، تتناسب والمهام المسندة ومتطلبات شرف المهنة والمكتب، والحق الدستوري في العيش الكريم. وخامسها تنظيم زيارات دورية منتظمة لمكاتب المفوضين القضائيين، من قبل لجن متساوية الأعضاء، نصف يمثل السلطة القضائية، ونصف يمثل هيئة المفوض القضائي، أيضا يشتركان في التأديب، ليحصل التوازن بين ضمان حماية المفوض القضائي وحماية المرفق العمومي من كل عبث.
وبذلك سنكون أمام مفوض قضائي مختص ومتميز باختصاصه، ومؤهل كفؤ في مجاله، وأمام مكتب عمومي مجهز ماديا وبشريا، مضبوط الخدمات ومنضبط الأخلاق والأوقات.
وأيضا لضمان تمام الاستقلالية، عن السلطة التنفيذية في أداء هذه المهام، ذات الصبغة القضائية، سادسا إحداث بكل دائرة قضائية ابتدائية أو إستئنافية، شرطة خاصة بالمحاكم، تابعة رئاسيا للنيابة العامة فقط، من مهامها حماية مكاتب ومؤازرة المفوضين القضائيين.
ولا أظن أن تأهيل مهنة المفوض القضائي على هذا الطراز، بعزيز على كل صادق في السعي لإحداث إصلاح عميق شامل وجدري للعدالة. هذا التأهيل سيضمن نصف الإصلاح، فينمحي من الوجود كل حديث عن البطء، جراء تعثر إجراءات تنفيذ الأحكام.
ولعل المفوض القضائي، صاح بما يكفي لتبني اقتراحاته، فالممارس أولى بأن يستمع إليه، لكن صمت كل الأذان بالأمس القريب، التي نادت بالإصلاح للعدل وفتحت له الأوراش، عن سماع صراخه بأن لا أمل في نجاح إصلاح لن يكون طرفا فيه، ونصف العدالة بيده حله وعقده. وللأمانة العلمية نسوق خاتمة مقالة مطولة للمفوض القضائي الأستاذ نور الدين العلمي بجريدة ‘’ العون القضائي ‘’ العدد الأول الصادر في 21 يونيـوه 2001 بالصفحة الثالثة تساءل من خلالها عن ‘’ أي إصلاح لمؤسسة العون القضائي في إطار الإصلاح القضائي المفقود ؟ !” قال وختاما فإن إصلاح القضاء هو عملية شمولية كبيرة ومتكاملة لن تتم فقط بتسليط الأضواء على القضاة وحدهم كأصـل – على أهميتــه – بل لا بد من أن يشمل الإصلاح والتأهيل التوابع والفروع كالأعوان القضائيين والعدول والمحامين والخبراء والتراجمة. لقد سبق للجمعية الوطنية للأعوان القضائيين بالمغرب أن دعت في توصيات مؤتمرها التأسيسي الأول بتاريخ 22/12/1996 إلى ضرورة صياغة ميثاق وطني قضائي تشارك فيه جميع مكونات الجهاز القضائي بالمغرب فهل من مجيب؟ وأكد التاريخ صدق الصيحة، فشلت كل مساعي الإصلاح، ولو نجحت ما كنا اليوم أمام هذا الورش الكبير من أجل الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، عين القيمون عليه ومنحوا سلطة التقرير من طرف أعلى سلطة في البلاد، مضطرة بعدما لم تجد توجيهاتها عبر الخطب المتكررة سبيلا إلى بعث الجدية في الإدارة المختصة، لتأخذ بزمام المبادرة وتقوم بالمتعين بحياد لا انحياز، وبإشراك الجميع والإنصات للجميع مع استطلاع النماذج الرائدة في الإصلاح، بخصوص كل مكون على حدة من مكونات العدالة، عبر العالم.
وتجدر الإشارة إلى كون الجمعية التي جمعت شتات المفوضين القضائيين 22/12/1996، بالرغم من حداثة نشأتها وقلة تجربتها استطاعت سنة التأسيس نفسها، التسجيل كعضو ملاحظ بالمنتظم الدولي، الذي يوحد الهيئات المشابهـة ‘’ الاتحاد الدولي للمفوضين القضائييـن’’ الذي تأسـس سنة 1952، ومقره الدائـم بالعاصمة الفرنسية باريس. ولم تكد تمض السنة على الوجود، حتى سجلت حضور المغرب بالمؤتمر السادس عشر للإتحاد الدولي بمدينة ستوكهولم السويدية المنعقد بتاريخ 13 يونيوه 1997، وشاركت بفعالية، فاعتبر المغرب عضوا منخرطا بصفة رسمية في الاتحاد الدولي. ولعل من قناعات خبراء هذا الإتحاد، أن القانون الخاص يقوم على ثلاث محاور، قاض يصدر الأحكام، ومحام يمثل ويؤازر الأطراف، ومهني مختص في تنفيذ الأحكام والقرارات.
لذا جعل من بين أهدافه، العمل على هيكلة جميع الهيئات الوطنية في إطار مؤسساتي ذي بعد دولي، وتوحيد جهود جميع الممارسين القانونيين في شتى مجالات تهييئ الدعاوى، والتبليغات القضائية وغير القضائية، وتنفيذ المقررات الصادرة عن القضاء، والتحصيل الودي والقضائي للديون، والمعاينات، والبيوعات بالمزاد، والاستشارات القانونية، وكذا نشر كل الأفكار والدراسات والمشاريع، وكل المبادرات الساعية لتطوير مهنة المفوض القضائي، وتحسين وضعية نظامها الحر.
وإذا كان من إستراتيجيات هذا الاتحاد الراهنة على المستوى الأوربي، السعي إلى إنشاء ما يسمى بالسند التنفيذي الأوربي لتقريب الهوة بين العدالة والاقتصاد، بين الأعمال والقطاع القضائي، لاستكمال الوحدة الأوربية على المستوى القضائي، فهي ترى أن معاهدة لاهاي 1665 ومعاهدة بروكسيل 1968 أصبحت تستدعي المراجعة، لكون أن تبليغ وتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الأجنبية عبر المسطرة المتداولة حاليا لا يتوافق ومشروع الانفتاح والاندماج الاقتصاديين، ولا يواكب التقنيات المعاصرة في مجال الاتصال والتواصل.
وإذا كان من استراتيجياته أيضا، فعل نفس الشيء بالنسبة للمستوى المغاربي، عبر الدفع بهيئات دول المغرب العربي المختصة في التبليغ والتنفيذ، إلى تفعيل اتفاقية التعاون القانوني والقضائي، المبرمة بين دول الاتحاد ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، والموقعة براس لانوف بليبيا في 9 و 10 مارس 1991 والمصادق عليها من طرف حكومات هذه الدول، وذلك بتوقيع هذه الهيئات بمدينة الحمامات بتونس بتاريخ 22/06/2002 على تفعيل الاتفاق – تطبيقا للفصل 12 من الاتفاقية المذكورة المتعلق بتبليغ الأوراق والوثائق القضائية وغير القضائية في المادة المدنية والتجارية والدعاوى الإدارية وقضايا الأحوال الشخصية جاء به : 1 ( توجـه محاضر وأعمال التبليغ من طرف أصحاب المهنة المشار إليهم أعلاه ) عدل منفذ، عون قضائي محضر ..( مباشرة إلى نظيره بالبلد الآخر عن طريق الهيئة أو الغرفة أو الجمعية المعنية. 2( يقع التبليغ حسب الصيغ المعتمدة لذلك بدولة موطن المبلغ إليه مع بيان النص القانوني المنطبق بقانون دولة موطن التبليغ مع التنصيص بصيغة المخاطبة على أن التبليغ تم وفقا للمادة 12 من الاتفاقية المذكورة ( يدفع طالب التبليغ مصاريفه للهيئـة بموطن طالب التبليغ. 4( تتبادل مختلف الهيئات جميع المجلات والمدونات والقوانين والتراتيب المتعلقة بالتبليغ وكذلك مختلف الدراسات الفقهية وفقه القضاء ضمانا لتعميم المعرفة بصيغ التبليغ وشروطه بمختلف دول الإتحاد. هذا ولم يترك المغرب مقعده فارغا، في شخص الجمعية الممثلة للمهنة، إبان توقيع المنظمات المهنية، أعضاء الاتحاد الدولي، بمقره بباريس شتنبر 2003، على الميثاق المهني charte professionnelle المكون من عشر نقط كضمان خدمة للمواطن والتزام شرف.
أمام كل ما سلف، ألا يحق التساؤل، أين الدولة المغربية وأين الوزارة الوصية من كل هذه المساعي؟ تترك هيئة بهذا الحجم، من خلال حجز اختصاصات، وحجم سلطات، وحجم صلاحيات، قصيرة القامة أمام علياء مثيلاتها بدول المغرب العربي، ناهيك عن باقي دول الإتحاد الدولي. وهل هذا التقزيم يخدم العدالة بالوطن في شيء؟ وأما آن الأوان للإنصاف ووضع الأمور في نصابها الصحيح وفق مراد الدستور الجديد تسلم المسؤوليات لأهلها ولا مانع من المحاسبة !.
منشور بجريدة لسان الشعب
‘’ صفحة قضايا ومحاكم ‘’
العدد الأول الاثنين 01 أكتوبر 2012