لسان الشعب//
حينما تجتمع المصالح، تتهدم القيم والمبادئ، فيسود قانون الغاية تبرر الوسيلة، وتصبح الحقيقة ضائعة، الكشف عنها ليس بالأمر الهين، وطريقها صعبة وشائكة، إلا أن القلم الحر يظل وفيا لمبادئ وشرف المهنة، ونبل امانتها، مهما كلف الأمر ذلك من تضحيات، و نستحضر هنا روح قيدوم الإعلاميين، الأستاذ “مصطفى العلوي” وعموده الشهير، الذي زعزع عروش الفاسدين “الحقيقة الضائعة”.
ومناسبة هذا الكلام، هو الوعد الذي قطعته “لسان الشعب” لقرائها الأعزاء في فضح المستور، وكشف مايجري وراء أسوار معمل الحليب بالجديدة ،وكيف استطاع ثلة من الانتهازيين تجمعهم مصالح، و تلفهم انتفاعات ذاتية، أن يؤدوا قسم “الإخوة دالتون” لاقتسام كعكة البقرة الحلوب، ويتفننوا في أساليب التمويه والتحايل لتبييض الأموال الوسخة في اقتناء ممتلكات وإنجاز مشاريع ومحلات تجارية ومقاهي، اضطروا بسبب الخوف من المحاسبة في تسجيلها باسم اقاربهم.
أدوار مختلفة ومصالح مشتركة
نجح “نيرون” معمل الحليب بالجديدة ،خلال الثمان سنوات التي قضاها داخل قلعته ان يؤسس أخطبوطا متعدد الأطراف من الانتهازيين، وعديمي الضمير ،تجمعهم مصالح مشتركة، هي التحكم في البقرة الحلوب، وتفرقهم المهام والادوار في تحقيق المنافع، وتوزيع الغنائم، وعائدات الصفقات المشبوهة ،ومنابع الانتفاعات المظلمة.
يشاع والشائع بوزن الحقيقة، أن كبيرهم الذي علمهم السحر، استطاع بفضل تدبيره الانتهازي المرتكز على الخبث والمكر والدهاء، والتظاهر بالطيبوبة والبراءة والنقاء، أن يحافظ على مكاسبه ومنافعه السابقة، بل نجح في الرفع من حجمها، و التمويه في غسلها وتبييضها في اقتناء املاك وعقارات داخل الإقليم وخارجه، حتى خيل له أن شراء الذمم، ونسج العلاقات النفعية تطيل اليد، وتسهل التحكم، وتقضي المآرب، وتفتح الأبواب الموصدة، ونسوق هنا على سبيل المثال لا الحصر تمكنه بطرق حربائية من توظيف حرمه المصون كاطار شبح بجماعة سيدي علي بنحمدوش، ومازال العاطي يعطي…
أما ساعده الأيمن، ومريده المخلص، الحمري ولد سيدي شيكر، فتلك حكاية أغرب من قصص الخيال.
إذا حضرت المصالح غابت القيم
استطاع هذا النازح من فيافي صخور الفوسفاط أن يستثمر مؤهلات الرشاقة، وخفة اليد في أن يتسلق بسرعة البرق هرم الترقيات، من مستخدم بسيط داخل الهيكلة الى إطار عالي، يتقاضى أجرة سمينة، و تعويضات خيالية، كل شيء بثمنه، وثمن هذه المكاسب الشخصية هو نجاحه الباهر والاسثنائي في توثيق زواج كاثوليكي بين إدارة “النيرون” والهيئة النقابية التي يمثلها هذا الأخير أسوأ تمثيل، ويسيء لتاريخها النضالي ،الذي كتبه شرفاء هذه الهيئة ومناضليها الأحرار بمداد من ذهب في الدفاع عن مكتسبات الشغيلة، و مواجهة جشع “الباطرونا” وتعنتها بكل صدق وأمانة، دون مساومات أوشراء ذمم.
إنها الانتهازية في أبهى صورها، حولها الحمري ولد سيدي شيكر بتوجيهات مرشده الداهية إلى مهنة وسمسرة، ومضاربات عقارية ومال وأعمال ومقهى عصرية تعتليها شقة فاخرة على مقربة من مقر معمل الحليب ، كيف لا، و”الحبة والبارود من دار القايد”، وسؤال من أين لك هذا ليس له مكان في قاموس قلعة “النيرون “، يكفي فقط أن تلتقي المصالح، ليصبح التنافي قانونا يبيح للذئب حراسة الاغنام، وتصبح كلمة اللوبي المتحكم هي العليا في كل صغيرة وكبيرة، فمنهم المكلف بمهمة “طاشرون الاوراش الشخصية “ومنهم أصحاب المحلات التجارية، ومنهم من يمارس وظيفتين بأجرتين، و آخرون صناديق سوداء، ومحافظي خزائن قارون ومغارة علي بابا داخل قلعة “النيرون” المملوءة بسلع ومواد تقدر بالملايير، والتي كثر الحديث على مظاهر الثراء والغنى لأحد سدنتها الموالين لمرشد المريدين، والذي حضي برضى أولياء نعمته بمبلغ استثنائي سمين لزوجته كتعويض عن المغادرة من الشركة.
داخل قلعة “النيرون” كل شيء يستباح، والاستدراج والترصد هو مصير كل منافس معارض، سولت له نفسه تجاوز الخطوط الحمراء، والتجرئ على فضح أسرار القلعة المكنونة، كما هو الشأن بالنسبة لحادث الاعتداء الشنيع الذي تعرض له أحد العمال، حينما حاول فضح خروقات وتجاوزات أخطبوط الفساد داخل معمل الحليب بالجديدة ،عبر وسائل التواصل الإجتماعي، فكان الرد سريعا وقاسيا، إذ تم استدراجه وفق خطة محكمة، والاعتداء عليه جسديا داخل المعمل، وطرده دون احترام لقانون الشغل، ودون ان تطال مرتكبي هذا الفعل الاجرامي يد العدالة.
نهمس في أذن هؤلاء الانتهازيين، وعلى رأسهم مرشد المريدين وكبيرهم، ونقول إن حسابكم لقريب، وأن أكل السحت والحرام لايدوم، وإذا دام لاينفعكم ولاينفع أبنائكم.
فهل يعلم مسؤولو “سنطرال دانون” ما يجري داخل قلعة “النيرون” بالجديدة ،أم أن نصيب الكعكة واشتباك خيوط المصالح، يعمي الأبصار ويصم الآذان.