محمد عصام//
لازال لحد اليوم أمام القضاة يعلمون في قرارات أنفسهم ويدركون وكثيرا ما يصرح بعضهم أنهم لا سلطة لهم على قرارهم ولا حرية لهم في التصرف في أحكامهم.
هذه حقيقة لا مجال لإخفائها بعدما قيل وكتب عنها في الداخل والخارج، باعتبار أن لها انعكاس خطير على حقوق الإنسان ومعاملته ومحاكمته كمخلوق له حريته وكرامته وذمته.
إن مهمة القاضي ليست مهنة حرفية ولا وظيفة إدارية، بل هي أمانة إلاهية أودعها الباري جل وعلا في يد القاضي ليفصل في العلاقات بين العباد بعضهم ببعض وما بين المواطنين والدولة. وبالتالي فليس قاضيا من يريد.
لقد قال الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي اشتهر بورعه وأبهر عدله الأنظمة والدول المتعاقبة بعده:
“لا يصلح للقضاء إلا القوي على أمر الناس المستخف بسخطهم وملامتهم في حق الله”..
وعلاقة بالموضوع، صححت محكمة النقض بالرباط الخطأ الفادح الذي ارتكبه بعض قضاة ابتدائية الجديدة لفائدة الأمين العام السابق لحزب جبهة القوى الديمقراطية في مواجهة الأمين العام الحالي المدعو “مصطفى لمفرك”.. والحال كما ذكر، والشكايات التي تقدم بها الأمين السابق كانت لا أساس لها من الصحة، وفور أن تقدم بالشكاية الأولى للنيابة العامة بابتدائية الرباط من أجل النصب والتزوير وانتحال صفة فتقرر بشأنها الحفظ لكون النزاع يكتسي طابعا يخص النزاعات ذات صلة بقانون الأحزاب.. فالتجأ إلى المحكمة الابتدائية بالجديدة لكون له حماية مبطنة من قبل بعض القضاة وعلاقته العائلية بأحدهم، فتقدم إلى وكيل الملك بابتدائية الجديدة بنفس الشكاية التي تقدم بها إلى ابتدائية الرباط، فقرر بحنكته ونزاهته الحفظ لانعدام العنصر الجرمي ولمدنية النزاع لكون المادة 15 من القانون المنظم للأحزاب الذي ينص على أن تغيير يطرأ أجهزة تسيير الحزب يصرح به لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية مقابل وصل مؤرخ ومختوم يسلم فورا وهو ما قام به المشتكى به..
وهنا وقعت الواقعة، فتقدم الأمين السابق بشكاية مباشرة مرفوعة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة، فأحيلت على القاضي الأستاذ: “بوشتى قاسمي” الذي أصدر حكما نزيها الرامي إلى عدم قبول الشكاية المباشرة وتحميل رافعها الصائر.. فتم استئناف القضية، فأحيلت على غرفة الاستئنافات الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالجديدة، فتم قبول الاستئناف وإلغاء الحكم المستأنف في جميع ما قضى به والحكم من جديد بإدانة المشتكى به “المصطفى لمفرك” من أجل انتحال الصفة.. ففندت محكمة النقض زيف ادعاء الحكم الاستئنافي، وقضت بنقض وإبطال القرار المطعون فيه الصادر عن غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية بالجديدة بتاريخ 2021/2/15 تحت عدد: 2021/113 في قضية ذات العدد: 2021/2801/674 وبإحالة القضية على غرفة الجنح الاستئنافية بالجديدة للبث فيها من جديد طبقا للقانون..
والغريب في الأمر، أن القضاة الذين أصدروا حكما بمثابة حادثة سير في غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية بالجديدة، فالملف جنحي عادي ولا علاقة لها بحوادث السير، فكيف ظهرت البداية بخاتم حوادث السير والنهاية كذلك؟
إن المشكل كان ولا يزال قائما، لما تقدم الشاكي بالتنازل في الملف بعد النقض، وغايته المثلى هي طمس معالم الحكم الذي سيكون لفائدة المشتكى به “المصطفى لمفرك”، وذلك خوفا من الجرم المشهود المتعلق بتهمة الوشاية الكاذبة. فلا مكان للمحامية أو المحامي في هذا الملف أمام قرار النقض، بل أصبح الشاكي يلقن بأن الدفاع ليس ضروريا وغير مرغوب فيه..
وفي السياق ذاته، تقدم “المصطفى لمفرك” بصفته الأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية بشكاية إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط في مواجهة الأمين العام السابق المدعو “م.بنع” من أجل تبديد واختلاس المال العام.. ولنا عودة إلى هذا الموضوع بالدرس والتحليل..