محمد عصام//
يردد الناس أحيانا لوصف بعض القرارات والمساطر بـ:”كارثية الحالة”، وتَسْميّتها بالانتماء لعصر قانون الغاب وزمن السيبة. ربما هذا الوصف غير صحيح، فقد توجد اليوم في قرن الواحد والعشرين قرارات ومساطر أردأ من قرارات ومساطر قانون الغاب وزمن السيبة..
هي جريمة متكاملة الأركان بلا منازع، أبلغت عنها “لسان الشعب” في حينها، وكان منتظرا أن يتحرك من ذكرت أسماؤهم كمتورطين، أن يهرعوا إلى الرد والتكذيب وموافاة الرأي العام بالحقيقة، لكن هرع المتورطون إلى البحث عن حماة، وانزووا إلى الظل والتزموا الصمت، يتحسسون الضربات.
فبالأمس القريب تولت “لسان الشعب” التبليغ عن جريمة بشعة تتعلق بإضرام النار بمحيط فيلا، موضوع الشكاية التي تقدمت بها السيدة “لطيفة حمدي”، في مواجهة الأم (ب.موتيح) وابنتها (سارة) إلى الوكيل العام لاستئنافية الجديدة مرفقة بفيديوهات، تم تنزيل مضامينها من قبل مفوض قضائي، تؤكد الجرم المشهود…
ومعلوم أن النيابة العامة وحدة لا تتجزأ، والحقيقة المرة، أنه أثناء التقديم أمام أحد نواب الوكيل العام باستئنافية الجديدة، تخلفت الأم عن الحضور بواسطة شهادة طبية، سبق أن أدلت بها نجلتها لدى النيابة العامة لابتدائية الجديدة التي لم تعرها أي اهتمام، وقررت متابعتهما من أجل الهجوم على مسكن الغير والضرب والجرح والتهديد رغم تخلف الأم المسماة (موتيح) عن الحضور.
الواقع المر الذي شوه القانون، هو قرار تأجيل النازلة من طرف النائب المذكور فورا وعلى المقعد، إلى حين انتهاء مدة العجز موضوع الشهادة الطبية، وبدون الاستشارة مع الرأس الرئيسي للنيابة العامة بالجديدة، في الوقت الذي أكدوا فيه الضحايا، أن المشتكى بها في صحة جيدة وتصول وتجول بكل أريحية، وعدم حضورها مجرد افتراء وكذب على جهاز النيابة العامة، ليس إلا..
وحتى لا ينطوي النسيان على قرار تأجيل الملف موضوع إضرام النار من قبل النائب المعلوم إلى يوم الثلاثاء المقبل، بعد انتهاء مدة العجز التي تتضمنها الشهادة الطبية المزعومة، ارتأت مجموعة من الضحايا أن تختار إحدى مساعدات القضاء تدعى “كوثر هاشمي” لتبني قضاياهم والدفاع عنهم، ولما زارت النائب المعلوم من أجل معرفة مآل هذه القضية، أجابها أن الأمر يتعلق بشهادة طبية، وفي حالة ما إذا تم تمديدها يتم تأخير الملف إلى حين (…)، والحال أنها في صحة جيدة ولم يطلها تعليمات من أجل الإحضار، الأمر الذي أغضب ساكنة الحي، وجعلها تفكر في الاحتجاج..
إن القرارات الرزينة والاجتهادات الحكيمة، تبقى راسخة في أذهان متتبعي الشأن القضائي، كلما ترك القاضي بصمة تاريخية في مجال الحنكة والحصافة والتبصر في القضايا، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، عهد الشخصية الوازنة التي تصدرت قائمة السلم الإداري بالنيابة العامة باستئنافية الجديدة، المرحوم المسمى قيد حياته الأستاذ/ “عبد الرحمان بوبشر” طيب الله تراه.. لما تقدمت أمامه شكاية شبيهة بتلك التي يتحوز عليها النائب المعلوم، مفادها أن أحد الميسورين تم دهس أحد مستخدميه عمدا بواسطة سيارة ذات الدفع الرباعي، ونجا من الموت بأعجوبة، وفق الثابت من تصريح الشهود، ولما أنجزت المسطرة، تخلف المشتكى به الميسور عن الحضور أمام النيابة العامة على ضوء شهادة طبية أدلى بها دفاعه، تفيد أن إحدى رجليه مكسورة، ولما أشعر الضحية آنذاك الوكيل العام رحمه الله بأن المتهم يتحرك بكل أريحية، فطن بالحيل الذي انطلت عليه قبل العلم بمجريات القضية، لما أدرك أن المتهم الميسور لم يتم وضعه تحت الحراسة النظرية رغم خطورة الأفعال المرتكبة من قبله، ولم يتم تقديمه، الأمر الذي حدا بالوكيل العام المذكور، مسك الأمور بزمامها، وأمر عناصر الدرك الملكي المعنية بالمسطرة باستحضاره يوم غد، في إشارة منه أن المجرم المريض يتم اعتقاله ويتلقي العلاج داخل أسوار السجن، إن كان يستحق ذلك. وهو ما حصل، فتم متابعته من أجل محاولة القتل، ثم اعتقاله وإحالته على الغرفة الجنائية..
وهذه الحكمة الحكيمة والجرأة المتينة في القرارات الصائبة التي عرفها عهد المرحوم رحمه الله، والتي يشهد بها محامون وقضاة وإعلاميون عايشوه ردحا من الزمن في ردهات محاكم الجديدة، وعلى رأسهم نائبه الذي سحب منه الملف وأطراف، وتكلف شخصيا بالبث فيه.. وللتذكير فقط، هذا النائب المشار إليه امتطى الآن صهوة الدفاع بهيئة المحامين بالجديدة فور إحالته على التقاعد..
وأكيد أن قدوم الوكيل العام الجديد الأستاذ/ “محمد أنيس”، المشهود له بالحكمة والمراس، سيعيد جناح النيابة العامة إلى النمو والاخضرار، بعد طول الانكسار والاصفرار الذي عمر مدة لا تعد بالقليلة بجهاز النيابة العامة لاستئنافية الجديدة. وأكيد أيضا أنه سيضع هذه النازلة موضوع إضرام النار تحت المجهر، حتى لا تنطلي عليه حيل من يريد طمس معالم الجريمة لفائدة سلطة المال والجاه والنفوذ..
وعودة إلى موضوع التملص من الحضور أمام النيابة العامة باستئنافية الجديدة بواسطة شهادة طبية مزعومة، أجمعت ساكنة حي تجزئة منظر المحيط الشطر الرابع بسيدي بوزيد قاطبة حيث تسكن المشتكى بها، أن هذه الأخيرة في صحة جيدة وتصول وتجول بين الدروب والأزقة بمنتجع سيدي بوزيد، فهرعت “لسان الشعب” إلى الحي المذكور فور علمها بالكارثة للتقصي، فتأكدت من صحة وصدق الخبر الذي صرحت به الساكنة، بالإضافة إلى الموسيقى الشعبية التي تنبعث من عقر دارها، وهي في نافدة منزلها تردد مقاطع الأغنية، ولسان حالها يريد أن يوضح لضحاياها، أن لها مظلة من حديد تقيها شر المتابعة والعقاب. ولتذهب حقوقهم إلى الجحيم..
“لسان الشعب” عاودت زيارة الحي المومأ إليه، وتحسست همس الرأي العام، الساكنة ممتعضة وتتساءل عمن يحميها من الإجرام الذي يتردد على الألسن بكثرة، التعويل للساكنة على الوكيل العام الأستاذ/ “محمد أنيس” في التصدي لإجرام هذه الطاغية، أكثر من التعويل على الشرطة القضائية موضوع انجاز المسطرة لضلوع عناصر منهم في التستر على الجريمة والانحياز لذوي الجاه والنفوذ..