يكتبه : الأستاذ سعيد القرشـــــــي
رئيس مجلس الجديدة سابقــــــا//
لم تعهد مهنة المفوض القضائي منذ إحداثها، لغة البرامج وخطاب الوعود. ما كانت المخاطرة بالوقوف بالصفوف الأمامية، إلا لذوي علم ومعرفة وخلق. الحاجة كانت ماسة لهذه الأسلحة في الدفاع، فأحسن استعمالهــا.
هذه السنة اقتحمت السياسة حرم المهنة، وشهد المنتمون لهذه المهنة، الحملة الانتخابية، و الوعود الانتحابية، و البرامج الانتخابية. لا أظن أحدا بقادر على الوفاء بوعوده، و بما سطر ببرنامجه، أمواج البحر عاتية. إن المهنة لعلى عهد بموجة عاتية، تلامس عنان السماء، لم تشهد لها مثيلا منذ إحداثها. لم نشهد اهتماما ممن يعنيهم الأمر، لا أيام دراسية ولا ندوات تناولتها، ولا دراسات نشرت حولها. صامتون، مستسلمون للموقف الرسمي.
حجية محاضر المفوضين القضائيين، اهتم لها القضاء، واختلف حولها، اختلاف المجتهد المأجور، فهل اهتم لها من هم بالصفوف الأمامية بالمهنة حتى؟.
لم أبخل بما أعلـم، وقاسمت الهم مع من يهتم، بشبه دراسـة متواضعة للقضية، نشرت باحدى المواقع الالكترونية، يوم الأربعـاء 21 مارس 2018.
الحديث حول الموضوع ذو شجون، والتعديلات ذات الصلـة بالقانـون الجنائي، وخاصة المادة 353 منه، ما تزال فضاء خصبا لمزيـد من التأمل والدرس والتحليل. لذا آثرت عودة النشر بمنبر ” لسـان الشعـب ”، وفي ذلك إشارة لمن يجب، حيث يليـق الهم و الاهتمام، فالعيـــب ليس في الإنــــاء الفارغ، وإنما في عـــدم الرضـــا بالقسمـة و النصيـب، والانشغال بملء الإناء الفارغ بغير العلم والمعرفة والخلق الحسن.
حول حجيــة محاضــر المفوضين القضائييــن
احتراما وتقديـرا لقاض اهتـم وبحث وأبدى رأيـا حول هذه القضيـة، أورد دراستــه في مقدمـة الحديث حول هذا الموضوع، وآمل أن تكون هذه المعالجـة مفتاح المناقشـة المستفيضـة الرصينة، الـمقدرة لدور مهنة المفوض القضائــي في واقع العدالـة، وآثـار خدماتهـا على الأمن القضائـي والاجتماعــي، فكم هي القضايــا التـي يلجـأ فيها المواطـن المتضـرر من شطط إدارة، للمفوض القضائـي للمعاينـة أو تبليغ مراسلاته وتقديم وثائقــه وطلباتـه، فيسترجـع ثقتـه في الدولة ومؤسساتها، بهذه الخدمـة الشبـه القضائيـة البسيطة الجليلـة الخطيرة. إنه مثال لدور لا يقدر بثمــن ولا يظهـر لكفيف البصيـرة.
( يقــول ذ / بوشعيب عسـال قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بسطــات في دراستـــه : إن المفوض القضائي وحسب المادة الأولى من ظهيـر 14/02/2006 مساعد للقضاء ويمارس مهنة حــرة. والمحاضر التي يحررها أصبحت أكثر تداولا في الملفات المطروحة أمام القضاء نظار ليسر وبساطة اللجوء إليها، اختصاص المفوض القضائي في تحرير المحاضر مستمد من المادة 15 من الظهيـر المشار إليـه سابقـا. ويمكن تصنيف هذه المحررات أو المحاضر من حيث الجهة التي كلفته إلى قسمين : * محاضر قضائيـة. وهي التي ينتدب فيها القضاء المفوض القضائي لإنجازها وذلك للقيام بمعاينات محضة مجردة من كل رأي، ويكون التكليف بها استنادا للمادة 148 من قانون المسطرة المدنيــــة. * محاضر وديـة ويكلفه بها الطرف الذي يعنيه الأمر دون المرور عبر القضاء حيث يقدم لنا طلبا إلى المفوض القضائي وغالبا ما يهدف إلى إثبات حال أو إجراء معاينة مادية والسند في ذلك دائما المادة 15 من الظهير المنظم للمهنة. كما يمكن تصنيف هذه المحاضر من حيث موضوعها إلى : * محاضر المعاينات المادية : وتستهدف إثبات حالة مادية معينــة مخافـة اندثارهـا بمــرور الوقـــــــــت. * محاضر العرض والإيداع : ويحررها المفوض القضائي إثر قيامه بعرض مبالغ ماليـة فإذا قبلها الدائـن حرر محضرا بذلك وإذا رفض فإنه يودع المبلغ بصندوق المحكمة ويحرر محضرا بذلك. * محاضر التنفيذ : وهي المحاضر التي يحررها إثر التنفيذ أو المحاضر التي يحررها إذا لم يوجد هناك ما يحجز أو محاضر الامتناع عن التنفيذ. * محاضر الاستجوابات : وقد أثارت هذه المحاضر جدلا كثيرا فهناك من يرى أن المفوض القضائي ليس مخولا له باستجواب الأشخاص أو تلقي التصريحات لأن الفصل 15 من الظهير المنظم لاختصاص المفوض القضائي لم ينص على اختصاصه بالاستجواب وهناك من يذهب إلى القول بأنه وان كان الفصل السابق لا يخوله صراحـة صلاحية الاستجواب فإنه بالمقابل لا يمنعه من ذلك، وحجة القائليـن بهذا الرأي مستمدة من مقتضيات المادة 148 من قانون المسطرة المدنية المعتمدة في انتداب المفوض القضائي والتي تنص على : يختص رؤساء المحاكم الابتدائيـة وحدهم بالبت في كل مقال يستهدف الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيـه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أي مادة لم يرد بشأنهـا نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف. ويصدرون الأمر في غيبة الأطراف دون حضور كاتب الضبط بشرط الرجوع إليهم في حالة وجود أي صعوبة …
باستقراء الظهير المنظم للمفوضين القضائيين يتضح أنه لم ينص في أيـة مادة منه على حجية هذه المحاضر، وبذلك يمكن القول أنه ترك للقضاء سلطة تقديريــة في الأخذ بها واستبعادها وقد عبر المجلس الأعلى عن هذا الموقف في قراره عدد 1692 المؤرخ في 15/05/2002 ملف مدني عدد 2639/1/2/2001 ( منشور بمجلة الملف عدد 2 صفحة 134 سنة 2003)، إذا لم يجز الأخذ بالإقرار الصادر عن الطرف أمام العون القضائي لما نص على أنه ليس من صلاحية العون القضائي طبقا للفصل الثاني من قانون 80.41 أن يسجل الأطراف اقرارات، والمحكمة لما اعتمدت مادونة العون من إقرار على الطاعنة والحال أنها تنكر في جميع المذكرات تكون قد بنت قراراها على تعليل ناقص وعرضته للنقــض. والفصل الثاني المشار إليه في القرار يقابله في الظهير الحالي للمفوضين القضائيين الفصل 15.
الطعن بالـزور في محاضر المفوضين القضائيين والتعليق على قضية المفوض القضائي الذي أدين بعشر سنوات سجنا نافذة من أجل تزوير محضر عرض كراء.
بطبيعة الحال فإن محاضر المفوضين القضائيين لا ترقـى إلى درجـة المحررات الرسميـة لا بمفهوم قانون الالتزامـات والعقود في إطار الفصل 418، ولا بمفهوم القانون الجنائي في الفرع الثالث من الباب السادس وبالضبط في الفصـول 352 و 353 و 354. ويلاحظ أن الظهير المتعلق بالمفوضين القضائييـن لا في إطاره القديم ( ظهير الأعوان القضائيين ) ولا في إطاره الجديد لم يتطرق للتزوير الذي قد يطال المحاضر التي يحررها المفوضون القضائيون، وإنما اكتفى بالنص فقط على مسطرة التأديب والعقوبات الصادرة بشأن الإخلالات المهنية حسب المواد من 36 إلى 40 كما أنه لم تحدث إضافـة أي نص في القانون الجنائي يخص عقوبة التزوير في محاضر المفوضين القضائيين لمواكبة الحضور القوي لهذه المحاضر في الملفات المطروحة أمام القضاء وهي محررات منجزة طبعا من طرف فئة جديدة من مساعدي القضاء.
ومن هذه التوطئة ندخل إلى التعليق على قضية المفوض القضائي الذي تم تكييف التزوير الذي طال المحضر المحرر من طرفه والمتعلق بعرض وإيداع مبلغ كراء بجناية تزوير محرر رسمي. والحقيقة أن طبيعة المحررات المنجزة من طرف المفوضين القضائيين مماثلة لمحررات الخبراء والتراجمة فكلهم مساعدون للقضاء ويمارسون مهنة حرة ويؤمرون من طرف القضاء بإنجاز المحررات المذكورة. ومن وجهة نظرنا فإن المفوضين القضائيين يجب أن يعاملوا كالخبراء القضائيين بالنسبة للتزوير الذي يلحق محاضرهم وذلك بعلة أن المعيار الذي اعتمده المشرع في إعطاء تقرير الخبير طبيعة شهادة الشاهد لما أحال في عقوبة التزوير على عقوبة شاهد الزور هو معيار قائم في محاضر المفوضين القضائيين لأن المحاضر المتعلقة بالمعاينات المادية المجردة من كل رأي ومحاضر العرض والإيداع ومحضر تبليغ إنذار ومحضر الاستجواب يمكن تكييفها جميعا بإفادات شاهد ويجب الإحالة في تزويرها على عقوبة شاهد الزور. وللغرابة أن يكيف محضر المفوض القضائي بالمحرر الرسمي ويعاقب من أجل تزويره بعقوبة تصل إلى المؤبد في حين أن حجية ذلك المحرر لا ترقى إلى حجية المحرر الرسمي وقد رأينا كما سبقت الإشارة إلى ذلك أن المجلس الأعلى أهدر حجيـة محضر المفوض واستبعد الأخذ به دونما حاجة إلى الطعن فيه بالزور كما تنص على ذلك المادة 419 من قانون الالتزامات التي نظمت حجية المحررات والأوراق الرسمية. والحقيقة أن قاضي التحقيق وبعد غرفة الجنايات اضطر لتكيف محضر المفوض القضائي بمحرر رسمي أمام انعدام النص القانوني الذي يجرم التزوير في محاضر المفوضين القضائيين لا في إطار الظهير المنظم لمهنتهم الحرة ولا في إطار القانون الجنائي، ولو افترض أنه وجد نص في الظهير يحيل في تزوير تلك المحاضر على عقوبة شاهد الزور كما اقترحنـا لعوقب المفوض القضائي بجنحة عقوبة شاهد الزور في قضية مدنية شأنه شأن الخبير القضائي الذي يطال الزور تقريره في قضية مدنيـة. والخلاصة أنه يتعين التنصيص بنص خاص على تزوير محاضر المفوضين القضائيين ومساواتهم في هذا الميدان بالخبراء القضائيين على النحـو الذي اقترحنـاه سابقا، وذلك حتى لا يكون القضاء مضطرا لإعمال مقتضيات المادة 244 من القانون الجنائي ويعتبر المفوض القضائي موظفا عموميا والمحاضر التي يحررها محررات رسمية ).
هذا رأي معترض على رسمية محاضر المفوضين القضائيين، ممن عايشــوا معالجـة الشكايات حولها، وهــو رأي له دعائمــه ودواعيــه، وهــو مناسبـة للتساؤل حول باقي الآراء والمواقف، رأي رجال القضاء من مختلف المواقع، ورأي المحامين ذوي بعد النظر منهم خاصـة، ورأي أهل مكة المفوضين القضائيين، المعنيين بالدرجة الأولى بهذه القضية الشائكـة عند كل فريق ولدى كل الفرقاء؟ لعل الاختلاف العميق سبب قــوي جدير بتريــث المشرع المغربي وتعميق الدرس والتحليل، قبل الحسم في خندقــة محاضر المفوضين القضائيين في هذا المكان أو ذاك. العبرة في عدم استقرار التقديــر المناسب لهذا اللــون الجديد من المحاضر من قبل بعض قضاة النيابة العامة، ففي الوقـت الذي يعتقدون أحيانا برسميتها حجــة، لا يعتقـدون بضرورة الحجة القوية القاطعة لإهدارهـا، ويتنازلون عن سلطة التقدير والتقرير لقضاة التحقيـق، ويقتصر دورهم على دور ضابط الشرطة مدون أقوال المشتكي والمشتكـى به. هذا التوجـه لا يخـدم الاستقـرار والأمن القضائـي، خاصـة لما تهتـز سمعـة مهنة وترسانـة من المحاضـر بجرجرة مزاوليهـا بجلسات التحقيـق والحكم.
عاشت محكمة الاستئناف بالجديدة محك تقدير محاضر المفوضين القضائيين، ورسمت خطا للتعامل معها، ومع الحجج التي تبسط لدحضها وتكذيبهــا.. فأصبح توجه هذه المحكمة معروفـا وبارزا بل ونموذجا في الاجتهاد الرصين، وعلى سبيل المثال أسوق قرارا نظيفا للقاضي المحترم خالد جليل قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالجديدة سابقا، لما أدلت مشتكية بشهادة عمل على ذمـة ملف تحقيـق رقم 185/06 صادرة عن مدير شركة تشتغل بها، تفيد اشتغالها بالشركة بأكاديــر يوم تحرير محضر برفض تسلمها إنذار أداء واجبات كراء، جاء بحيثية قراره ” وحيث إن الإشهاد الذي أدلت به المطالبة بالحق المدنـــي من إحدى الشركات لإثبات غيابهـا عن محل التبليـغ لا يعد حجة قاطعـة وهـو باعتبـاره إشهــادا عرفيــا لا طاقة له في إهـدار سنــد رسمـي ”. فهل تسير كل محاكم المغرب على درب هذا الاجتهـاد، وهل تحافظ استئنافيـة الجديدة على اجتهادات قضاتهـا سواء في النيابة أو الرئاسـة الأفاضـل ؟.