محمد عصام//
وجه معالي وزير العدل لنقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء بحر الشهر المنصرم، رسالة شديدة اللهجة حول موضوع ‘’ عقود التفويت والتنازل عن عقارات مملوكة للجماعات السلالية بكيفية غير قانونيـة ‘’
العقود الغير القانونية، كما سماها السيد وزير العدل، حررها محامون مقبولون للترافع أمام محكمة النقض، وكأن لسان حاله يضيف عبارة مع كامل الأسف.
وحسب رسالة معالي وزير العدل، أنه وقف على عدم قانونية العديد من العقود التي حررها ويحررها محامون مقبولون للترافع أمام محكمة النقض، من خلال شكايات المواطنين وتقارير المسؤولين القضائيين، ونبه إلى الخرق الواضح لمقتضيات القانون 17 – 62 بشأن الوصايـة الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، ونبه إلى كون الأمر أصبح يتعلق بظاهرة أصبحت تكتسي خطورة بالغة وتثير قلقا متزايدا وتمس بالأمن العقاري. بل الأمر من ذلك اعتبر معالي وزير العدل أن هذه العقود باطلة استنادا للقانون رقم 62.17 الذي ينص صراحة في المادة 15 منـه على عدم جواز تفويت أملاك الجماعات السلاليـة إلا في الحالات ووفق الشروط الواردة في هذا القانون ونصوصه التطبيقية، وذلك تحت طائلة بطلان التفويت.
معالي وزير العدل من خلال رسالته السوداوية هاته المظلمة، تجاه الآثار السلبية التي خلفها تحرير المحامين للعقود على الأمن العقاري، تعطي الانطباع بأن معالي وزير العدل يتحسر على سحب صلاحية رئاسته للنيابة العامة. وكأنه بذلك يقول لو كنت رئيسا للنيابة العامة لأصدرت التعليمات للوكلاء العامين بمتابعة المحامين المحررين لعقود باطلة وغير قانونية. وأن ما بقي لي من صلاحية لا يتجاوز التقدم بمشروع قانوني يرمي إلى إلغاء المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية.
المشرع يورط المحامين في تحرير العقود.
اعتبرت المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، التي دخلت حيز التنفيذ أواخر سنة 2011، من قبل العديد من العقلاء، فيما يخص إسناد مهمة تحرير العقود الناقلة للملكية للمحامي، بمثابة الهدية المسمومة، وحذروا هذا القطاع من العبث والتهور بمجال لا يصح فيه إلا الجد والحذر.
لا تستقر المعاملات من بيع وشراء بين الناس، إلا بعقود آمنة موثوق فيها. لم ينظر المحامي مع كامل الأسف إلى هذا الجانب ولم يكثرت به، واهتم أكثر بما يدره عليه من مال، وهو ما اعتبر من قبل العديد من الملاحظين ريعا تشريعيا، لما رأوا أن تحرير المحامي للعقود لم يضف قيمة نوعية لاستقرار المعاملات، وإنما شكل فقط موردا ماليا مضافا للمحامي لا غير، ومزاحمة لذوي الاختصاص الأصيل الموثقين والعدول، بغير مبرر مقبول. فهؤلاء العدول والموثقون لم يشتكوا يوما من عدم القدرة على النهوض بهذا الاختصاص كما وكيفا، فهل لهذه الإضافة مبرر؟ اللهم إذا كانت من وراء القصد تكبيل قطاع المحامين بالأصفاد، لإخراس ألسنتهم في المجال النقدي للسياسة العامة.
عشر سنوات كانت كافية، لتخرج الجهات الرسمية عن صمتها، وتشرع في التحذير من تداعيات ممارسة المحامي لهذا الاختصاص. أما المحاكم فقد غصت بهذه القضايا، حتى بدأ يسود الاعتقاد بأن كل عقد يحرره محام بمثابة ملف لنزاع قادم سيفتح بالمحكمة إن لم نقل ملفات.
هذا فيما يتعلق بالخواص الذين تتضرر مصالحهم من هذه العقود، أما الأملاك العامة فحدث ولا حرج، فما تزال تنتفخ وما المنتظر إلا الانفجار، ولن يكون إلا انفجارا نوويا، نظرا لحجـم الخسائر سواء بالنسبة للخواص الذين اشتروا أراضي الغير ضمنهم الدولة وأحدثوا بها استثمارات ضخمة ومهددون بإفراغها، أو الدولة الضحية التي تضيع منها الآلاف إن لم نقل ملايين الهكتارات من الأراضي المفترض أن تكون مسارح للمشاريع ذات النفع العام.
إن كارثية تحرير المحامي للعقود، لم تسلم منه لا أملاك الأحباس ولا أملاك الأوقاف ولا أراضي الكيش ولا الأراضي السلالية ولا أراضي الجموع من الضرر. السطو تم ويتم هنا وهناك وعقود المحامين مطية، مادام هؤلاء يجهلون المقتضيات القانونية لتفويت هذه الأراضي، ويجهلون الوثائق اللازم إحضارها للنأي بالخواص عن هذه الأملاك.