لسان الشعب//
يعتبر نظام الملكية المشتركة بمثابة ميثاق بهدف إلى إحلال نوع من التوازن بين المصالح الفردية للملاك المشتركين وبين المصالح الجماعية للملكية المشتركة اعتبارا إلى كون طبيعة العقار موضوع الملكية المشتركة يتضمن أجزاءا مفرزة وأخرى مشتركة تقتضي وجود عدد من الملاك الذين يقتسمون هذه الأجزاء الأمر الذي يستوجب وضع إطار قانوني يهدف إلى تنظيم علاقاتهم المتبادلة.
وتجدر الإشارة إلى أن مقتضيات قانون 18/00 المتعلق بالملكية المشتركة قد نص لزوما على وضع نظام لكل ملكية مشتركة طبقا لمقتضيات المادة 8 منه.
ومن هذا المنطلق تتجلى أهمية هذا النظام بدءا بمقتضيات ظهير 1946 وانتهاءا بمقتضيات القانون رقم18/00 باعتباره آلية أساسية لتنظيم الملكية المشتركة وطرق تدبيرها وفق منظومة تأخذ بعين الإعتبار الأغراض المخصصة للأملاك وتحديد شروط وكيفيات الانتفاع بها.
وفي هذا السياق يثار التساؤل التالي: هل استطاع المشرع المغربي أن يضفي القوة الإلزامية على نظام الملكية المشتركة؟
وإلى أي حد توفقت صناعة التشريع في ترتيب الجزاءات على مستوى الإخلال بهذا النظام؟
مما لاشك فيه أن النزاعات المترتبة بسبب سوء التقدير في طرق الانتفاع بالاجزاء المشتركة في اطار قانون الملكية المشتركة لتداخلها احيانا اوغموضها احيانا أخرى قد تسبب خلال الفترات الماضية في تنامي وتيرة المنازعات القضائية داخل ردهات المحاكم لتتجاوز سقف 120 ألف دعوى .
ومن هذا المنطلق فإن إقرار مرسوم يقضي بتحديد النظام النموذجي للملكية المشتركة الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 2017 جاء ليغطي مجموعة من الثغرات القانونية والتنظيمية من خلال تضمينه لمقتضيات جديدة تحدد الأجزاء الخاصة والمشتركة في العقارات من جهة وتنظم العلاقة بينهم واتحاد الملاك من جهة ثانية حيث حدد هذا النظام جدولا لتوزيع الأجزاء المفرزة والحصص المشاعة المرتبطة بها والعقارات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة يضم أرقاما لهذه الأجزاء ومساحة كل جزء حسب المساحة الإجمالية للعقار إضافة إلى مساحة كل جزء خارج الرسم وحصة الشقة بالمتر المربع وكذالك الحصص غير المفرزة إلى جانب عدد الأصوات في إشارة إلى أعضاء إتحاد الملاك وتخصيص الأجزاء المشتركة وتبيانها بهدف الاحاطة بحقوق وواجبات مالك العقار بغية تحقيق جو من التعايش بين الجيران في إطار منظومة الملكية المشتركة.
وفي هذا الإطار نص النظام النموذجي على سبيل المثال لا الحصر على شروط استغلال الأملاك المشتركة انطلاقا من مبدأ عدم الإضرار بحقوق الملاك الآخرين حيث نصت المادة 9 من الاطار التشريعي الجديد ترك جميع الأجزاء المشتركة خالية سيما المسالك والممرات الخاصة بالعمارات ومداخلها وبهوها ودرجها إضافة إلى التنصيص بمنع القيام باشغال التنظيف ونفض الافرشة والزرابي في الادراح و الممرات كما أوجب التقيد باحترام قواعد الصحة والنظافة من خلال تحديد أماكن ذبح وتعليق الأضاحي ومنع القيام بالأعمال التي من شأنها إتلاف المساحات الخضراء المشتركة أو وضع اسيجة تحول دون الانتفاع بها واستغلالها من طرف باقي الملاكين كما نص على منع تثبيت الأجهزة الهوائية في واجهات المباني والشرفات حفاظا على النسق الجمالي للاملاك المشتركة.
هذا وقد حدد النظام النموذجي الجديد شروطا لاستغلال الأجزاء المشتركة حيث منع استغلال المراب المشترك في اشغال إصلاح العربات أو غسلها أو إثارة الضجيج بواسطة الآليات المزعجة لراحة باقي الملاك ونص كذلك على تحديد ساعات محددة للسماح بمباشرة أشغال الإصلاحات وذلك تفاديا لكل نزاع قد يتطور إلى دعوى قضائية كايواء الحيوانات والكلاب الخطيرة والمحظورة قانونا.
وفي هذا السياق فإن القوة الإلزامية لنظام الملكية المشتركة أصبحت ضرورة ملحة يستوجبها القانون لتحقيق تدبير أمثل للاملاك المشتركة والحصص المفرزة في إطار تعايش يوضح واجبات وحقوق الملاك حيث أقر المرسوم الجديد طرق اشتغال اتحاد الملاك المشتركين من خلال تنظيم انتخاب وكيل للإتحاد ونائبه خلال انعقاد الجمع العام طبقا للمادة 17 من القانون رقم 18/00 لولاية انتدابية تمتد إلى سنتين كما نص على إمكانية عزل الوكيل من قبل الملاك بثلاثة أرباع أصواتهم خلال جمع عام طبقا لمقتضيات المادة 19 من القانون رقم 18/00.
ويمكن للوكيل حسب منطوق المادة 25 من القانون المذكور تحصيل المساهمات المستحقة دون حاجة لأي ترخيص مسبق من طرف الجمع العام للمطالبة بها قضائيا.
ونظرا للأهمية القصوى للجموع العامة باعتبارها ميثاقا قانونيا واخلاقيا لآليات التدبير الامثل للملكية المشتركة فقد أفرد المشرع 22 مادة في القانون المذكور أعلاه تتعلق بكيفيات انعقاد الجموع العامة وطرق تدبيرها باعتبارها المصدر الرئيسي لصناعة القرارات.ّ
ولعل هذه الأهمية التي اناطها المشرع لهذه المؤسسة لم تكن اعتباطية بل استمدت مشروعيتها من تكريس مبدأ التدبير التشاركي طبقا لمنطوق المادة 14 من القانون المذكور حيث ألزمت المالك بضرورة المشاركة في أشغال الجموع العامة والتصويت على قراراتها وهذا ما نصت عليه المادة 18 من نفس القانون حينما دعت بصيغة الوجوب على ضرورة استدعاء كل الملاكين ما عدا في حالة عدم إكتمال النصاب القانوني وما يترتب عن ذلك من صحة انعقاد جمع عام ثاني وفق الشروط القانونية بحيث تكون كل قراراته قانونية وملزمة لكل الملاكين بتصويت من حضر من الملاك.
وتاسيسا على ما سبق فقد اناط المشرع في الفقرة الثالثة من المادة 30 من القانون المذكور ضمانات قانونية للملاك بإتباع إجراءات استعجالية للطعن في قرارت الجموع العامة في حالة مخالفتها للقوانين والأنظمة المعمول بها الأمر الذي يحيلنا على استحضار القوانين ذات الصلة ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– ظهير 12 شتنبر 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري
– ظهير 12غشت1913 المتعلق بالالتزامات والعقود
– ظهير 2 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة
– القانون رقم 12/66 المتعلق بالتعمير
– القانون رقم 24/83 المتعلق بتحديد النظام الأساسي للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون
– القانون رقم 90/25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
– ظهير 8 أكتوبر 1977 المتعلق بصيانة العمارات وتخصيص مساكن البوابين في البنايات المعدة للسكني.
وللاشارة فإن دعوى الطعن في مقررات الجموع العامة لاتؤدي حتما إلى أبطالها اعتبارا لكون القضاء لابساير دائما أطراف الخصومة في ادعاءاتهم بقدر ما يتقيد بمضمون القوانين والأنظمة وتقدير مدى تضرر المدعي تحت طائلة رفض دعواه.
وعلى الرغم من كون المشرع لم يحصر حالات الطعن في قرارات الجموع العامة من طرف الملاك المتضررين إلا أنه يمكن اجمالها على سبيل المثال لا الحصر بعض الحالات :
– حالات التدليس خلال المداولات او عند التصويت
– عدم توفر النصاب القانوني لانعقاد الجموع العامة واتخاذ القرارات
– عدم إحترام شكليات انعقاد الجموع العامة المنصوص عليها في القانون رقم18/00.
– تجاوز الجموع العامة. للاختصاصات المنظمة بمقتضيات القانون المذكور.
– عدم تضمين استدعاء الملاكين بالوثائق الضرورية.
– عدم تضمين الاستدعاء مشروع جدول الأعمال.
– غموض بعض النقط المدرجة بجدول الأعمال ومخالفتها للقوانين المنظمة.
– وجود تدليس أثناء المداولة اوخلال احتساب الأغلبية المطلوبة قانونا لاتخاذ القرار.
– الشطط في استعمال سلطة رئيس الجلسة أو وكيل الاتحاد وعدم احترامه للقوانين المنظمة .
هذا وحتى تكون قرارات الجموع العامة مطابقة للقانون وملزمة للملاكين فقد حرص المشرع على تذييلها بالصيغة التنفيذية طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 30 من القانون المذكور.
والملاحظ أن المشرع المغربي ترك فراغا تشريعيا على مستوى صلاحية الوكيل في المطالبة بالزيادة في المبالغ المستحقة في مجال تحصيل المساهمات .
ومن هذا المنطلق يأتي تدخل القضاء ليمنح لوكيل اتحاد الملاك هذه الصلاحية عن طريق دعائر وغرامات تأخير عكس ما كان عليه الوضع سابقا إذ لم تكن الزيادات الممنوحة إلى الوكيل تتجاوز احتساب التكاليف التي تحملها خلال عملية تحصيل المستحقات القانونية كمصاريف الاشعار وتنفيذ الرهون وتعويضات الأعوان القضائيين ومختلف صوائر الاجراءات.
وللاشارة فإن أكثر من 35 ألف دعوى قضائية من مجموع 120 ألف دعوى كانت موضوع المرافق المشتركة والتي يعمد بعض المنعشين العقاريين الذين تنعدم فيهم حس المقاولة المواطنة على تضمين هذه المرافق بطرق تدليسية على أساس أنها أملاك خاصة مما أصبح يستوجب أكثر من أي وقت مضى التفكير في سد هذا الفراغ التشريعي ووضع آليات قانونية لزجر مثل هذه التصرفات المخالفة للقانون تفاديا لمنازعات قضائية قد تطول في ردهات المحاكم وتفقد الثقة للمواطن في اقتناء أملاك تندرج في إطار قانون الملكية المشتركة.